أباطرة حوادث السير

كنت أتابع برنامجا تلفزيا على إحدى القنوات الفرنسية حول نقل السيارات المستعملة من فرنسا لبيعها بالدول الإفريقية، حين صرح شاب فرنسي بأن أخطر مرحلة في رحلته بالسيارات هي مروره بالمغرب (وليس موريتانيا أو الدول الإفريقية جنوب الصحراء!). وما هالني شخصيا أكثر قوله: "ربما هذا من الأسباب التي تجعلني لا أحب المغرب".

لاحظوا أنه يمكن أن يكون لإنسان موقف عدائي من المغرب سياسيا أو سياحيا أو اقتصاديا، بسبب كثرة حوادث السير عندنا!! وأنتم على الطريق تلاحظون كتابات على مؤخرة الشاحنات ومنها "بونصوار وجدة.... بونجور أكاديرBonsoir Oujda …Bonjour Agadir". ينطلق من وجدة ليلا، ليدرك أكادير نهارا... تحت ضغط هاجس الربح والمنافسة والمغامرة وضغط ظروف الحياة... أو عبارة شوف وسكت". كيف لا نكون من أخطر بلدان العالم من حيث كثرة حوادث السير؟!

كل يوم يموت أزيد من عشرة أشخاص ويصاب المئات وتتشرد عائلات بفعل فقدان معيلها...
إنها حرب أهلية يزداد سعيرها، سنة بعد أخرى. القاتلون فيها أناس مخطئون، وضحاياها أبرياء ذنبهم أنهم صادفوا "قتلة" في طريقهم بدون أسلحة لا نارية ولا بيضاء. قتلة ممتطين سياراتهم أو شاحناتهم أو حافلاتهم... فحولوها من وسائل نقل إلى وسائل قتل.
علينا أن لا نخطئ. إن أول سبب لحوادث السير ببلادنا هي حالة الطرق وحالة حظيرة السيارات التي تجوب البلاد. لنأخذ 100 كلم من طريق سيار ونقارن الحوادث التي تقع به مع عدد الحوادث التي تقع بـ 100 كلم من طريق عادية وبنفس معدل حركة السيارات. ولنتصور مدننا بشوارع كبيرة ومنظمة وتشوير واضح مقارنة مع ما نعيشه اليوم. ومع ذلك، المسؤولية في ما يقع من حوادث سير هي مسؤولية البشر الذي يخرج لقيادة سيارة أو دراجة أو حافلة أو شاحنة يعرف أنه سيقودها بشوارع المغرب وليس بألمانيا. وبالتالي، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أنه يسوق ببلده المغرب بطرقه التي هي على ما هي عليه!!

هل يعقل أن نشتم في المقاهي طرقنا وحالتها المزرية، ونتصرف ونحن على الطريق كأننا على طرق ألمانيا أو النرويج!!
لذلك، لابد من خوض حرب على حوادث السير، حرب توعوية، وقائية وجزرية. كان من الضروري تحسين القوانين المنظمة للسير والمرافق المصاحبة. ولابد من تشديد القوانين بالموازاة مع تطويرها. وهو ما حاولت مدونة السير القيام به.
مدونة السير هي مجموع قوانين لتنظيم السير وللحد من الحوادث من أجل وقف هذه الحرب الأهلية.

وهي مبادرة لا يمكن إلا تشجيعها. لكن، للأسف ما أن نزلت المدونة حتى انهالت على الوزارة الوصية كل السكاكين والخناجر. من له مصلحة في أن يتسبب البعض في قتل الأبرياء وإصابتهم بإعاقات دائمة على الطرقات دون أن ينالوا العقاب الملائم؟! من له مصلحة في أن " نشوف ونسكت"؟
إنهم أباطرة حوادث السير. أولئك الذين يكدسون الأموال والثروات من خلال قتل المواطنين. الذين عوض أن يوظفوا عددا أكبر من السائقين، وعددا أكبر من وسائل النقل للقيام بالمهام، يفضلون تشغيل نفس الشاحنة أو الحافلة أو السيارة ونفس السائق ليقطع مئات الكيلومترات كل يوم مع ما يتبع ذلك من حوادث مميتة. أباطرة حوادث السير، الذين يريدون أداء غرامة أو إتاوة 100 درهم مقابل السماح لهم بارتكاب كل المخالفات الطرقية، والتي تقتل وتصيب مئات الأبرياء يوميا. الأبرياء يموتون على الطرقات ليس بسبب إصابتهم في حوادث الطائرات، بل بسبب حوادث سببها سائقون لا يحترمون قوانين السير.

أباطرة حوادث السير يعيبون على مدونة السير أنها تشبه قوانين السويد. وأعتقد أن قوانينا يجب أن تكون أشد بكثير من السويد. في السويد، السيارات جديدة، والطرقات واسعة، والعلامات واضحة، وبالتالي قد نجد بعض "العذر" لسائق تهور وتجاوز القانون، لأنه قد يعتقد أنه، بالنظر لحالة الطرقات الجيدة، قد لا يتسبب في حادثة سير. أما عندنا، وبالنظر لحالتنا الطرقية، فالسائق الذي يتهور يعرف أنه سيتسبب، لا محالة، في حادثة سير. وبالتالي، يمكن اعتباره مرتكبا لحادثة سير عن سبق إصرار وترصد! في السويد قد يعتبر فقط منحرفا، أما هنا وهو يعلم خطورة المضاعفات فيمكن اعتباره مجرما ...

ما أسفت له أن الصحافة تعاملت مع هجوم أباطرة حوادث السير على المدونة بمنطق الشماتة. كان بإمكان الأطر التي هيأت مدونة السير أن لا تشغل بالها بالموضوع ولا تحضر شيئا وتستمر الحرب الأهلية. ولكنها اجتهدت وقدمت مدونة لحماية أرواح المواطنين، أرواحنا أنتم وأنا وذوينا. وكان من واجب الصحافة، والأحزاب والجمعيات، أن تكون سندا لهذه المدونة في وجه أباطرة حوادث السير.
لا يمكن لمستقبل شعب بكامله أن يتلاعب به حفنة من المستفيدين من ترهل القوانين وانعدام احترامها. المعركة بين شعب تواق للسلم والسلام والسلامة على طرقه وبين أباطرة يجنون مزيدا من الأموال ولو على حساب أرواح الأبرياء.
25 février 2009
الطيب حمضي

تـُـجّــار الكُــوطا

بسبب ظروف تاريخية واجتماعية معينة، نجد المرأة في جل المجتمعات مهمشة وغير فاعلة في صنع القرار. الحكومات، البرلمانات، المجالس المحلية، الجمعيات، النقابات، الأحزاب وغيرها من الهيئات يقودها الرجال والرجال وحدهم أو بأغلبية مطلقة. المجتمعات التي انطلقت نحو التنمية والبناء الديمقراطي فهمت أنه لا يمكن لها بناء مجتمعاتها بنصف مشلول، فقررت بذل كل ما في وسعها من أجل تبويء المرأة المراكز التي تستحقها. إذ لاحظوا أنه لا يعقل أن يكون بالمجتمع خمسون في المائة من النساء، بينما بالمؤسسات المنتخبة ثلاثة أو عشرة في المائة! أكيد أن هناك خللا ما. هذا الخلل هو موروث ثقافي واجتماعي يقف حاجزا بين المرأة ومشاركتها الكاملة في دورة صنع القرار. فإما أن ننتظر أن تتغير الثقافات والظروف الاجتماعية عبر قرون من الزمن لتجاوز هذه الحواجز وضمان مشاركة المرأة مشاركة فعلية، وإما يجب العمل من اليوم لرفع هذا التهميش. إذا انتظرنا الزمن سنضيع عقودا من حياة مجتمعاتنا وفرصها في التنمية, بل من شأن ذلك أن يزيد الوضعية تقهقرا وظلامية.
وإذا تدخلنا اليوم، من خلال الأنظمة والقوانين، سنتمكن من تجاوز هذه المثبطات ومساعدة المرأة على احتلال الأماكن التي يجب احتلالها لتسريع وتيرة المشاركة النسائية. ومن خلال ذلك، تسريع التطور الثقافي والمجتمعي الذي يسمح بالمشاركة النسائية بشكل تلقائي.
لذلك، عمل الديمقراطيون والمدافعون عن هذه المشاركة بمفهوم "الكوطا" او الحصة والمحاصصة. مفهوم الكوطا مفهوم بسيط انتخابيا وعميق ثقافيا.
العمل بنظام الكوطا – في مجال المشاركة النسائية- يعني أننا نتفق مسبقا على تمثيلية للنساء لا يجوز النزول أدنى منها. فمثلا، إذا كنا نريد انتخاب مجلس من 100 فرد، نقول إننا اتفقنا على كوطا نسائية 40% . معنى ذلك أننا نجري الانتخابات والمجلس المقبل سيضم على الأقل 40 امرأة، وعلى الأكثر 60 رجلا طبعا.
لماذا التذكير بهذه البديهيات البسيطة؟ لأن جل الأحزاب تمارس نظام الكوطا بالخطأ!
في نظام الكوطا، الترشيح يكون حرا، والتصويت حرا. يمكن للرجال والنساء أن يترشحوا على حد سواء، وفي نفس اللائحة، والمصوتون يصوتون على من أرادوا رجالا أو نساء، دون أن يعتبروا في التصويت أي شيء. المصوتون يصوتون بحرية دون الاهتمام بالجنس، لأن الكوطا تطبق في النتائج، وليس خلال الترشيح أو التصويت. عند فرز الأصوات، إذا وجدنا مثلا أن 45 امرأة فازت، أي أكثر من الكوطا، فذلك جيد ونعتبر أن ثقافة المصوتين تجاوزت الكوطا، وهذا تطور مهم. فيتكون المجلس من 45 امرأة و55 رجل. أما إذا وجدنا مثلا أن 70 رجلا هم الفائزون وفقط 30 امرأة، فإن نظام الكوطا يقتضي حذف الرجال العشرة الأواخر من بين السبعين لصالح النساء العشر الأوائل في لائحة الانتظار بحيث نحصل على 40 الحد الأدنى.
من الخطأ تخصيص لائحة خاصة بالنساء. نتحدث عن الانتخابات داخل الهيآت (الانتخابات البرلمانية والبلدية لها ضوابط وظروف أخرى). إذا خصصنا لائحة خاصة بالنساء، فمعناه أننا حكمنا على النساء بعدم تجاوز الكوطا. لا يمكن لهن في حالتنا مثلا الحصول إلا على 40 مقعدا، لا أقل ولا أكثر. بينما روح نظام الكوطا هو أن لا تقل التمثيلية عن هذه النسبة، لكن يمكن تجاوزها، بل يجب العمل على تجاوزها.
هناك نساء ورجال يقومون ضد الكوطا، باعتبارها تمييزا. والجواب على ذلك سهل. هو تمييز إيجابي لتطوير المجتمع، كما يمكن استعماله كنظام لصالح الشباب أو المعاقين أو أي فئة اجتماعية ندرك أنها مهمشة. بل إن الفكرة تطورت ولم تعد تمييزا ولو كان إيجابيا. كيف؟ اليوم، لا نقول إننا اتفقنا على أن لا تقل نسبة النساء عن كذا وكذا (40% مثلا)، بل نقول "..على أن لا تقل نسبة أي جنس عن 40%". أي أننا نعطي ضمانة للجنسين معا دون تمييز، ونهدف إلى تواجد الجنسين دون تهميش طرف على آخر. وإذا فازت 80 امرأة سنطبق الكوطا وتصبح النتيجة نجاح 60 امرأة و40 رجل. انتقلنا إلى كوطا النوع بدل الكوطا النسائية.
المشكلة في بلادنا أن الكوطا لم تساعد لحد الساعة على تشجيع النساء على الانخراط بالأحزاب والجمعيات والمؤسسات، بل إن كثيرا من النساء داخل الأحزاب أضحين يجدن راحتهن في عدم تواجد نساء من جنسهن تنافسهن على المناصب المحصل عليها عن طريق الكوطا.! وهذا تحريف خطير لغايات نظام الكوطا، واهم غاية هي توسيع مشاركة النساء في تدبير الشأن العام.
لذلك، سيكون من المفيد التنصيص على أن كل امرأة استفادت من نظام الكوطا في أحد الاستحقاقات، لا حق لها في الاستفادة من هذا الحق مرة أخرى، بل عليها التعويل على عملها ونضالها ومشاركتها للفوز مرة أخرى وترك الفرصة أمام امرأة غيرها ربما لم تساعدها الظروف بعد لمنافسة أقرانها الرجال ندا لند. هكذا، نضمن أن لا تتكون عندنا "نخبة الكوطا" أو تجار الكوطا، مثلها مثل المعاديين للمرأة، لا مصلحة لهن في المشاركة النسائية!! تجار الكوطا فرز انتهازي لنظام الكوطا سواء في موضوع النساء أو الشباب أو أي مضمار آخر. من فازت مسفيدة من نظام الكوطا عليها تطوير مشاركتها لتتمكن مستقبلا من الفوز بدون هدا الدعم حتى تترك الفرصة لغيرها، وهكذا.. حتى تتوسع المشاركة النسائية يوما بعد يوم.

الطيب حمضي
20 février 2009

الانقلابات الدستورية:عبد العزيز تشافيز نموذجا

الأخ عبد العزيز تشافيز هو اسم تركيبي لأخوين عظيمين: الأخ عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الجزائري والأخ هوكو تشافيز الرئيس الفنزويلي المبجل.
لماذا الجمع بينهما؟
الواقع أني لست من جمع بينهما، فأقدارهما ورغبتهما الجامحة في الخلود على كرسي السلطة هي التي جمعت بين رجلين من قارتين مختلفتين، بل عالمين مختلفين.
وجه الشبه بين الرئيس بوتفليقة وباقي الأنظمة العربية امتد هذه المرة ليشمل أمريكا اللاتينية.
بداية، أنا معتز بمواجهة الرئيس تشافيز لجارته الشمالية الأمريكية المتغطرسة ومتعاطف مع نضاله لتكوين جبهة جنوبية ضد الولايات المتحدة، بل نجاحه في إفساد كل مخططات الولايات المتحدة لفرض هيمنتها على دول أمريكا الجنوبية.. وأنا معتز بتضامنه مع الشعب الفلسطيني وكيف طرد السفير الإسرائيلي قبل أسابيع احتجاجا على مجازر غزة.
هذا الرئيس، الذي يحتفل هذا الأسبوع بالذكرى العاشرة لتسلمه السلطة بفنزويلا، تنتهي ولايته سنة 2013. لكن السيد تشافيز يعرض الأحد المقبل تعديلا دستوريا من خلال استفتاء لإلغاء تحديد عدد الولايات الرئاسية، حتى يتسنى له أن يصبح رئيسا لفنزويلا إلى الأبد!! وهو يقول إن "مشروعه الاشتراكي للقرن الواحد والعشرين" لم يكتمل ولن يكتمل سنة 2013 ، وبالتالي فهو بحاجة ليبقى رئيسا إلى ما لا نهاية حتى نهاية ونجاح مشروعه!!
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رجل دولة كبير. وشخصيا، أكن له احتراما كبيرا. وهو من القادة السياسيين الذين قادوا الجزائر منذ مرحلة الشباب. قاد الدبلوماسية الجزائرية في مراحل صعبة بالنسبة لبلاده، وهو في مرحلة الشباب، ونجح في الكثير من مهامه، ومنها أشياء تستوجب الاحترام حتى وإن كان ذلك على حساب المغرب. يستوجب الاحترام ولو كان خصما. له عدة أخطاء، لكن له مشروعية نضالية وتاريخية كبيرة، وحضورا دوليا مميزا.
السيد بوتفليقة قضى ولايتين رئاسيتين. والدستور الجزائري يحدد عدد الولايات الرئاسية في اثنتين. ولأن الأخ العزيز بوتفليقة يريد أن يبقى رئيسا إلى الأبد، فقد قرر تعديل الدستور، وهو ما تم بالفعل، وصدر يوم الأحد الماضي مرسوم رئاسي يعدل هذا الشرط ويسمح له بالترشح للمرة الثالثة. وهو ما سيعلن عنه بالتأكيد هذا الأسبوع. الرئيس الجزائري هو الآخر له مشروع كبير، هو المصالحة الوطنية، لم يكتمل بعد. لذلك، لا بد أن يغير الدستور حتى يبقى رئيسا مدى الحياة لاستكمال مشروعه!
تشافيز وبوتفليقة رجلان كبيران قررا بمحض إرادتهما أن ينتهيا صغيرين وأن لا يذكرهما التاريخ إلا كرجلين انقلبا على الديمقراطية. رجلان أحبا السلطة وكرسي الرئاسة حتى الالتصاق بهما. رجلان عاكسا التاريخ، فعوض نقل بلديهما إلى مصاف الدول الديمقراطية نقلاهما إلى الانقلابات الدستورية، تيمنا بزمن الانقلابات العسكرية.
الفكر الديمقراطي طور نفسه وخلص إلى كون الحكم لمدد طويلة هو غير منتج بل يفرخ التقهقر والاستبداد، لدلك تم تحديد عدد الولايات بالنسبة للمواقع التنفيذية. هكذا يجد المسئول نفسه مرغما على مغادرة المسؤولية حتى لا يحاول التحايل على الناخبين وتسخير الإمكانيات العمومية وإشعال الحروب للقضاء على المنافسين ليبقى وحده في المسئولية..
وتم تضمين دلك بالدساتير كأسمى التزام أمام الامم.
ليس بوتفليقة حالة خاصة في العالم العربي. قبله غير الرئيس التونسي بن علي الدستور ليبقى رئيسا، وغير الرئيس المصري مبارك الدستور ليبقى رئيسا، وخان الرئيس اليمني عبد الله صالح وعده وترشح للمرة الألف، بينما لم يحتج الزعيم الليبي معمر القذافي لأي تغيير لأنه لا يعرف معنى الدساتير وهو رئيس مدى الحياة ومدى الممات! وغيرت سوريا دستورها حتى يتمكن الدكتور بشار الأسد من الترشيح لأخذ مكان والده، أما الفوز فكان مضمونا! هؤلاء الأفذاذ العرب كلهم يعتبرون أنفسهم فرض عين على دولهم وشعوبهم، وأنه بدونهم لن تقوم قائمة لشعوبهم. بل الأدهى من ذلك أنهم كلهم يريدون أن يخلفهم أبناؤهم في كراسي المسؤولية!! فعلها حافظ الأسد، ويتهيأ لها حسين مبارك بتهييء ابنه جمال مبارك، والقذافي بتهييء ابنه سيف الإسلام القذافي...
حقيقة، اليوم أفهم لماذا الرئيس تشافيز يتضامن مع قضايا الأمة العربية بكل هذه الحماسة (المشكور عليها). الرجل تجري في عروقه دماء عربية بالتأكيد. ألا يريد هو الآخر أن يقوم بانقلاب دستوري ليصبح ملكا لجمهورية فنزويلا، مثل ملك جمهورية الجزائر وملك جمهورية تونس وملك جمهورية ليبيا وملك جمهورية مصر وملك جمهورية سوريا وملك جمهورية اليمن.
في الأنظمة الملكية الديمقراطية: الملكية جامعة ورمز للدولة والحكم لممثلي الشعب عبر البرلمان. أي أن الحكم يمارسه ممثلو الشعب المنتخبون. الإخوة ملوك الجمهوريات يريدون مواقع ملكية في أنظمة جمهورية !!
أنا افهم الآن لمادا الغرب متخلف ونحن متقدمون. هم يتداولون على المسؤوليات والسلطة، ونحن نتشبث بها حتى الانقلاب أو الموت !! نموذجنا هو الناجح بدليل أن الأخ تشافيز يحاول استلهامه منا ...
من قال إن إزاحة مثل هؤلاء بقوة التدخل الأجنبي أو قرارات من مجلس الأمن أو المحكمة الدولية ليس حلا؟!
الطيب حمضي
13 février 2009

حربُُُُ ُ بالوكالة

المواجهة التي تقودها الدولة منذ أيام ضد حزب العدالة والتنمية لن تضع أوزارها قبل نهاية مسلسل الاستحقاقات التي يقبل عليها المغرب، من انتخابات جماعية حتى تجديد ثلث مجلس المستشارين. يبدو أن الدولة وجدت نفسها مضطرة إلى دخول حرب مباشرة ضد إسلاميي العدالة والتنمية، بعد أن تبين لها أن القوة التنافسية للأحزاب الأخرى مجتمعة لن تكون كافية لكبح جماح العدالة والتنمية ومنع فوزها بمدن ومراكز أساسية بالمغرب. من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية لن يحقق اكتساحا ساحقا خلال الانتخابات المقبلة، لكن ضعف وتهلهل الأحزاب الأخرى سيسهل عليه مأمورية الفوز بنسب ربما هو نفسه لا يتوقعها أو لا يطمح إليها أصلا.

الدولة قبلت منذ سنوات خوض تجربة احتواء الإسلاميين من خلال دمجهم في المسلسل الديمقراطي لعدة أسباب:
أولها أن المنطق السياسي السليم لا يقبل أبدا التجاهل السلبي لقوة مجتمعية سياسية قائمة وصاعدة ومتنامية، وإلا تحول الأمر إلى مواجهات عنيفة.
ثانيا، من شأن دمج الإسلاميين في العملية السياسية أن يعطي للجمهور الفرصة للحكم على هؤلاء من خلال الممارسة وليس فقط من خلال الشعارات والآيات القرآنية، خصوصا أن حلبة الممارسة ليست مفتوحة كلها، بل تضيق أحيانا وتتسع أخرى، وبها الكثير من المطبات التي يجب تفاديها.
ثالثا، دمج بعض الإسلاميين دون البعض الآخر- وأبرزهم العدل والإحسان- يعطي تغطية للمواجهة مع الآخرين وللحرب اليومية عليهم لتقليم أظافرهم.
هذا الإدماج السياسي لصف من الإسلاميين له تبعات وثمن لابد من تأديته، وهو تواجد هؤلاء داخل المؤسسات السياسية تواجدا فعليا وليس فقط رمزيا أو فلكلوريا. فالإسلاميون هم الآخرون لهم حساباتهم للاستفادة من عملية المشاركة السياسية. وإسلاميو العدالة والتنمية يعملون بثبات من أجل تحسين تواجدهم داخل المؤسسات المنتخبة، من خلال تحسين أدائهم وتقديم أحسن ما لديهم، ومن خلال استثمار كل التعاطف الشعبي معهم ومع مواقعهم وتحويله إلى تصويت إيجابي لصالحهم وصالح مرشحيهم.
وبما أن جماعة العدل والإحسان، وتيارات دينية أخرى، تختلف مع حزب العدالة والتنمية، لاتشارك في العملية السياسية فإن هذا الأخير يستفيد انتخابيا من كل التعاطف والأعمال والنضالات التي تقوم بها كل التيارات الإسلامية، باختلاف ألوانها. فالمواطن المتعاطف مع الحركة الإسلامية وغير المنتمي لأي جماعة، وهم الأكثرية، حين يتوجه إلى صناديق الاقتراع يختار أقرب الناس إلى توجهاته، وهم مرشحو العدالة والتنمية.
وزارة الداخلية تقوم، قبل كل انتخابات، تقوم بدراسات توقعية للنتائج المحتملة. ومع تهلهل وانقسام وتصدع الأحزاب السياسية وانحسار دورها التأطيري وضمور إشعاعها، و غياب اشتغالها وسط الناس، يبدو أن الفرصة كبيرة بالنسبة للإسلاميين لتحقيق فوز غير مسبوق خلال الانتخابات المقبلة. والمتأمل للتظاهرات التضامنية الأخيرة مع غزة التي عرفتها مدن المغرب، يتبين له بوضوح كيف كان الإسلاميون حاضرين بقوة، بل فاعلين أساسيين في توجيه وتحريك التضامن الشعبي الذي لم يكن محتاجا إلا لمن يؤطره، فكان الإسلاميون وغابت الأحزاب كلها أو بعضها تقريبا.
الدولة تدرك أن اللجوء إلى تزوير صناديق الاقتراع لم يعد ممكنا كما كان. وبالتالي، عليها خوض حرب استباقية ضد الإسلاميين لتحجيم مشاركتهم في الانتخابات، من جهة، وتحجيم النتائج التي يمكن أن يحصلوا عليها، من جهة ثانية.
التطبيع الذي تعرفه علاقة حزب العدالة والتنمية من شأنه تشجيع المواطنين على التصويت لصالح هذا الحزب، بل الأهم من ذلك تشجيع بعض الأعيان والوجوه المحترمة بالمدن، كما البوادي، على الترشح ضمن لوائح العدالة والتنمية. لذلك، فإن أول رسالة من مواجهة الدولة مع الإسلاميين، أربعة أشهر قبل الانتخابات المقبلة، هو أن الحزب له "مشاكل" مع الدولة وخير لكم "اجتنبوه"!
طبعا، حين تخوض الدولة مواجهة مفتوحة مع العدالة والتنمية من أجل تحجيم مشاركته داخل المؤسسات المنتخبة، فإن المستفيد الأول- انتخابيا- هم الأحزاب الأخرى. لذلك، فإن الحرب التي تخوضها الدولة هي حرب بالوكالة عن باقي الأحزاب ضد العدالة والتنمية. الدولة مستفيدة استراتيجيا وسياسيا والأحزاب الأخرى مستفيدة انتخابيا.
في صف الإسلاميين، المواجهة التي يخوضها حزب العدالة والتنمية هي مواجهة سياسية للخط السياسي للتيار الديني بالمغرب ولتواجد هذا التيار وتطوره وترعرعه بالبلاد، سواء داخل الهيآت المنتخبة، من خلال أصدقاء زعيم العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، أو داخل المجتمع ككل، بالنسبة لباقي فصائل الإسلاميين. لذلك، يمكننا القول إن السيد عبد الإله بنكيران وزملاءه يخوضون هم الآخرون حربا أصالة عن أنفسهم وبالوكالة عن التيار الإسلامي بالمغرب ككل، المشاركون منهم والمقاطعون للمؤسسات على حد سواء.
في مصر، التي تعرف قبلنا حراكا سياسيا قويا وتواجدا للتيار الديني، تعمل الدولة دائما على اعتقال المئات من الإسلاميين ومحاكمتهم، كلما كانت البلاد مقبلة على الانتخابات لتخويف الناخبين ومنع الإسلاميين من الترشح.
في الجزائر سنة 89 دخلت البلاد تجربة انتخابية مفتوحة فازت خلالها جبهة الإنقاذ الإسلامية بالانتخابات البلدية، وهو الفوز الذي استغلته جيدا للتحضير للانتخابات التشريعية التي فازت بدورها الأول. ثم تدخل الجيش لتوقيف الانتخابات. وكانت النتيجة عشر سنوات من الحرب الأهلية وعشرات الآلاف من القتلى.
في تركيا، يجرب الأتراك اللعبة لآخرها، بعد سنوات من المواجهة. يفوز الإسلاميون ويتم حل الحزب! اليوم، التجربة التركية متميزة، لكن لا أحد يعرف أين ستقود من حيث تعايش تيار الإسلام السياسي مع الديمقراطية.
المغرب يحاول "الاستفادة" من كل هذه التجارب. الانتخابات البلدية بالمغرب عادة ما كانت تسبق الانتخابات البرلمانية. لكن منذ تجربة الجزائر، أصبحت البلديات تأتي بعد التشريعية، حتى لايتم الاستفادة من الفوز المحلي لدعم الحضور داخل البرلمان. فالتوازنات داخل البرلمان أخطر من البلديات وإن كانت هذه الأخيرة نفسها سلاحا خطيرا يمكن استغلاله جماهيريا.
سنة 2003، عرف المغرب الهجمات الإرهابية بالدار البيضاء مع ما تلاها من توجيه أصابع الاتهام إلى التيار الديني وإلى الإسلام السياسي، مما حجم مشاركة الإسلاميين وحجم النتائج المحصل عليها.
كما استعملت الدولة ورقة التفاوض مع الإسلاميين لمنع تغطيتهم لكل الدوائر خلال الانتخابات. وعملت على تغيير القوانين الانتخابية والتقطيع الإداري لمنع سيطرة فصيل سياسي على المؤسسات. وتحاول خلق أدوات سياسية وجمع شتات الأحزاب عساها تشكل قوة تنافسية ضد الإسلاميين. فالدولة تدرك أنه لا يمكن مواجهة قوة متصاعدة داخل المجتمع بالقوانين أو بالقمع، بل لابد من بروز أفكار حداثية ومشاريع مجتمعية لها قوة تنافسية في الواقع يتم ترجمتها من خلال الانتخابات.
لكن المشكلة أن الأحزاب استهواها الحصول على المقاعد بسهولة. فأوكلت مهمة مواجهة المنافس القوي، أي الإسلاميين، للدولة. أجهزة الدولة هي المكلفة بمواجهة العدل والإحسان، حتى تبقى الساحة خالية للأحزاب من دون منافس ميداني حقيقي. وهي مكلفة بتحجيم العدالة والتنمية، حتى تفوز الأحزاب بالمقاعد والمسؤوليات ويبقى بعض الفتات للعدالة والتنمية.
اليوم، الدولة أدركت أن المواجهة التي يفترض أن تخوضها الأحزاب لمنافسة العدالة والتنمية لن تتم، لأن الأحزاب عاجزة عن ذلك. "فشمرت على سواعدها" لتخوض المواجهة بنفسها.
بلاغ الوزير الأول السيد عباس الفاسي الذي يُقرِّع فيه زعيم العدالة والتنمية حول إدخال الملكية في الحسابات السياسية بمناسبة التضامن مع غزة، واعتذار السيد بنكيران عن ذلك، كان نقطة انطلاق المواجهة. فرد زعيم الإسلاميين بأن الرسالة وصلته وانحنى للعاصفة. وشكل توقيف عمدة مدينة مكناس الإسلامي، من طرف وزارة الداخلية، الخطوة الثانية، مع ما تبعها من حملة إعلامية رغم أن للتوقيف مايبرره من حيث الختلالات المنسوبة للعمدة المكناسي حسب وزارة الداخلية.
وقد عبر زعيم العدالة والتنمية عن توصله بالرسالة،فرد عليها بأن أعلن أن حزبه لن يرشح أكثر من 6 إلى 10 آلاف خلال الانتخابات المقبلة... يعلن ذلك لطمأنة الدولة بأن حزبه لن يعمل على اكتساح المقاعد حتى وإن توفر على القوة لذلك. وذلك كان هو هدف الدولة بالتأكيد، وستتفاوض بشأنه مع قيادة الإسلاميين، ولكن ليس قبل إضعافهم وقص أجنحتهم وتقليص التعاطف الشعبي معهم.
هي حرب استباقية تخوضها الدولة، نيابة وبالوكالة عن الأحزاب، ويخوضها حزب العدالة والتنمية بالوكالة عن التيار الديني بالمغرب ككل. حرب ستبقى مفتوحة، قبل أن تضع أوزارها بعد الانتخابات، ليتم التطبيع من جديد.

الطيب حمضي

6 fevrier 2009

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi