القيادة الجماعية للكَبْوَة الاتحادية

كان توقعي أن يلجأ المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي إلى تأجيل المؤتمر بعض الأسابيع في انتظار التحضير الحقيقي وتهيئة الأجواء والظروف لإنجاح هذه المحطة. كان توقعي منطلقا من ملاحظتي كون ما يجري حاليا بالاتحاد هو تحضير لتفجير المؤتمر وليس إنجاحه.
اتصل بي صديق وأخبرني بأني مخطئ وبأن المؤتمر منعقد في وقته. فأخبرته على الفور بأنه يستحيل أن يتم انتخاب الأمين العام والقيادة خلال المؤتمر، بل سيتم تأجيل ذلك على الأقل أسبوعين لإعادة ترتيب الأوراق.
ما وقع كان أسوأ مما توقعتُ، بالنظر إلى المعطيات المتوفرة. ولن يكون من الصعب على الملاحظ أن يدرك أسباب ما وقع. اليوم، سأكتفي بتقديم بعض الملاحظات العامة حول مؤتمر الاتحاد، على أن أقدم وجهة نظر شاملة في الموضوع في غضون الأسبوع المقبل مشتملة على الملاحظات المتعلقة بالتحضير وبالمؤتمر وبالرهانات المرتبطة بالحزب، ومشتملة كذلك على اقتراحات للمستقبل.
ملاحظاتي اليوم، أو التي هي بصدد الإعداد، نابعة من غيرة على هذا الحزب، وعلى اليسار وعلى الصف الديمقراطي، ومن غيرة على العمل الديمقراطي والحزبي.
أدرك أن «زمن» المؤتمرات وزمن الانتخابات الحزبية تقوى فيه التحالفات والمصالح الانتخابية على حساب المنطق. لذلك، فإن ملاحظاتي بشأن الاتحاد، غير المحكومة بأي مصلحة انتخابية أو دعم لطرف دون الأخر، اعتقد أن من شأنها أن تكون أقرب إلى المنطق منها إلى الاصطفاف.
هل كان الاتحاديون، قيادة وقواعد، يعتقدون أنهم ذاهبين فعلا إلى مؤتمر وطني لاتخاذ قرارات سياسية كبرى وتجديد أجهزة الحزب بمنظور جديد وعقلية جديدة وأنظمة جديدة؟ كانوا يريدون ذلك، ما في ذلك شك. لكن لم يتم تهيئي ولو الحد الأدنى لذلك.
منذ إقالة الكاتب الأول السابق الأستاذ محمد اليازغي، كان من الواضح أن حرب المواقع قد بدأت. فمن جهة، تم اتخاذ قرار غير مسبوق في مسيرة الاتحاد بإقالة الكاتب الأول ونائبه، بشكل قاس، دون أن يستتبع ذلك اتخاذ موقف من القرارات التي يكون اليازغي قد استفرد بها وزج الحزب في متاهتها. فالمشاركة في الحكومة بالطريقة التي تمت بها كان بالإمكان للمكتب السياسي نفسه أن يعترض عليها، بل للمجلس الوطني كل الحق لمراجعتها.
لكن لا المكتب السياسي اعترض ولا المجلس الوطني راجع، وأُرجِئ الكل للمؤتمر. كان واضحا أن الحزب غير مستعد للنفاذ إلى مناقشة جوهر القضايا، أو لنقل إن جوهر القضايا لم يكن محل اختلاف كبير، بل كراسي المسؤولية –داخل الحزب وخارجه- هي التي أضحت موضوع صراع.
بعد إقالة الكاتب الأول ونائبه، لم يتم الاتفاق حتى على عضو واحد من أعضاء المكتب السياسي للقيام بالمهمة بالنيابة في انتظار المؤتمر، أو عضو يكون ناطقا باسم الحزب. وقد تم التسترعلى ذلك تحت ذريعة القيادة الجماعية. فهل إذا تم اختيار ناطق باسم الحزب ستكون القيادة فردية؟! بعد اغتيال أحمد ياسين وبعده الدكتور الرنتيسي من حركة «حماس» من طرف إسرائيل، قررت الحركة العمل بالقيادة الجماعية علنا، دون الإعلان عن اسم المسؤول الأول عن الحركة، رغم أن القيادة انتخبت واحدا منها في منصب المسؤولية. ولا أعتقد أن أحدا تصور أن وضع قيادة الاتحاد هنا كانت اسوأ او شبيهة بقيادة حماس! العمل بالقيادة الجماعية كان سببه واضحا: لا أحد في قيادة الحزب كان يسمح لزميل له بأن يتقدم عليه ولو خطوة واحدة خلال الأشهر القليلة المتبقية لانعقاد المؤتمر. وهذا له معنيين. أولا، لم يكن هناك مرشح واحد لمنصب الكاتب الأول، بل عدة مرشحين من داخل المكتب السياسي نفسه دون أن يعلن ذلك أحد. وثانيا، انعدام الثقة الذي أضحى يسري بين المرشحين المحتملين للقيادة، لدرجة ترك الحزب بدون مخاطَب خوفا من تقهقر حظوظ المنافسة.
وعلى مستوى المجلس الوطني، ورغم كون هذه الهيأة لها السلطة الكافية لاتخاذ مواقف سياسية تعالج الوضع الراهن، ورغم المواقف المعبر عنها في الصحافة، فإن هذه الهيأة فضلت إلقاء الكرة في ملعب المؤتمر وتأجيل اتخاذ القرارات السياسية إلى ما بعد إعادة تشكيل الأجهزة.
لقد تم تحميل المؤتمر أكثر من طاقته. فإذا كانت قيادة الحزب، من مكتب سياسي ومجلس وطني، لم تستطع الجلوس والتفكير بهدوء في مستقبل الحزب، والمناقشة الواضحة تنظيميا وسياسيا، كيف لمؤتمر أن يفعل ذلك بهدوء؟ ذهب الاتحاديون إلى المؤتمر، وكل واحد ينتظر أن يخرج من المؤتمر رابحا ومنتصرا. ومن الصعب على مؤتمر مهما كان كريما أن يعطي لكل واحد ما يريد، وخصوصا أن ما كان يريده البعض هو بالضبط ما لا يريده البعض الأخر! إن المسؤولية جماعية متقاسمة بين القيادة الجماعية والمجلس الوطني واللجنة التحضيرية في تعليق المؤتمر وكبوة الاتحاد
20 juin 2008

أحداث دامية في منطقة زوابع


عاشت مدينة سيدي إفني السبت الفارط أحداثا خطيرة على إثر التدخل الأمني الكبير والعنيف، ردا على حركات احتجاجية لشباب وسكان المنطقة ضد التهميش. هذه أحداث يمكن أن تقع في أي مدينة وفي أي زمان، لكن خطورتها أنها تأتي في سياق أزمة نحن لازلنا في بدايتها. أي أن ما ينتظر بلادنا من أحداث لا يمكن التكهن به وبدرجته وبمدى انتشاره إلا بقدر الحرمان الذي يلوح في الأفق.
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن أحداث سيدي إفني من فعل فاعل واحد أو إطار جمعوي واحد، أو بسبب التراشق بالحجارة، أو إحراق سيارة أو هجوم رجل أمن على متظاهر... هذه كلها تفاصيل قد تفيد في البحث القضائي أو حتى الإداري لتقييم نجاعة المعالجة الأمنية أو عدمها، لكن بالمطلق لن تفيد لا في فهم ما وقع ولا ما قد سيقع.
في نفس اليوم الذي كان فيه شباب سيدي إفني في مواجهات مع رجال الأمن وسكان سيدي إفني تحت سطوة رجال الأمن، كان شباب آخر في تونس في نفس الوضع. وفي نفس اليوم، كان سكان منطقة أخرى بمصر في مواجهات مع الشرطة. سوءا في سيدي إفني أو تونس أو مصر، الأسباب واحدة: البطالة وغلاء المعيشة.
لذلك، علينا وضع الأمور في إطارها الصحيح لفهمها فهما صحيحا ومعالجتها معالجة صحيحة، والاستعداد -وهذا هو الأهم- بشكل جدي لما هو آت. وما هو آت ليس بالشيء الهيِن ولا البسيط، ولا يمكن بحال من الأحوال تجنبه كليا.
أولا، هناك أسباب مغربية محضة متعلقة بعقود من سوء التدبير والحكامة السيئة، وعدم الاستعداد وإعداد الأمة للتحديات. وفي خضم هذه الأزمة ومحاولات تدارك ما فات والتخبط في الاختيارات والتردد، وجدنا أنفسنا كالعالم كله أمام معطيين: ارتفاع أسعار البترول التي تقارب 150 دولار للبرميل وستتجاوزه عما قريب، وارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية.
قبل أشهر قليلة، شهدت شوارع إيطاليا مظاهرات صاخبة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقد كان ذلك مفاجئا، إذ لم يكن يتصور أحد أن تشهد شوارع أروبا الغربية مظاهرات من أجل الخبز أو السباغيتي!!! يوم ذاك، كان يجب الانتباه للموضوع وانتظار الأسوأ في شوارع العالم الثالث.
إن نصف ميزانية عائلات العالم النامي تتوجه نحو الغذاء -على شاكلة مواد أولية- والسكن. وهذا معناه أن أي زيادة في أسعار المواد الغذائية تؤدي بالضرورة إلى انهيار هذه الميزانية. بينما ارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية لا يؤثر بنفس الدرجة على ميزانيات العائلات بالدول المتقدمة.
الأمم المتحدة لا تتوقع أي انخفاض لأسعار المواد الأولية الغذائية قبل سنة 2015. وأسعار البترول مرشحة للارتفاع أكثر. وعلى أي حال، يقول الخبراء إن سعر البرميل مرشح لتجاوز 200 دولار في المستقبل القريب، وحتى إذا تحسنت الأوضاع بعد سنوات فلن ينزل بعد اليوم عن 100 دولار. إذن، نحن في بداية دخول بلادنا منطقة زوابع. وعلينا أن ندرك ذلك أولا، وأن نتهيأ لمواجهة هذه الحقيقة ثانيا.
قضية ارتفاع الأسعار يجب أن تعتبر معطىً هيكليًا وليس ظرفيا، على الأقل خلال عقد من اليوم. وبهذا المعنى، ولأجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ليس من حل غير تمكين الطبقات الفقيرة والوسطى من «ارتفاع الدخل» في حدود لا تقل أبدا عن 30% وربما أكثر. طبعا، لا الدولة قادرة على توفير هذه الزيادة لموظفيها، ولا القطاع الخاص قادر على ذلك، دون الإخلال بتنافسيته وبالتالي إفلاس عدد من المؤسسات، وتسريح العمال، فارتفاع البطالة، ...
ليس هناك من حل غير اتخاذ الإجراءات القانونية وغيرها لخفض أسعار ومصاريف السكن، شراءا أو كراءا. بالتوفير في المصاريف المخصصة للسكن، يمكن للعائلات استثمار مقدار التوفير لمواجهة مصاريف ارتفاع أسعار المواد الغذائية. صحيح أنه منذ عقدين، اتخذت إجراءات عدة لتسهيل الولوج إلى السكن، لكن الذي استفاد من ذلك هم المضاربون عوض المواطنين الذين أصبحوا يشترون اليوم شقة 60 متر مربع في أحياء شعبية بـ40 و50 مليون سنتيم بعد أن كانت تساوي اقل من 20 مليون سنتيم يوم لم تكن هناك تسهيلات!!
ومن جهة أخرى، واستعدادا لمواجهة منطقة الزوابع، لابد من دعم العمل النقابي (الحقيقي) وعقلنته ومساعدته لتأطير المجتمع وتنظيم الحوار بين شركاء العملية الإنتاجية. كما يجب أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها ودعمها في ذلك إزاء ترشيد الخطاب والتأطير والبحث عن الحلول ونهج سياسة القرب.
إن على الذين تكلفوا بملف سيدي إفني أن يدركوا أن الأحداث ستتكرر في أكثر من مكان، ولا حاجة لبلادنا للمعالجة القمعية، المتشنجة المهينة للسكان. لابد من الحوار والبحث عن الحلول وتوقع غضب ناس أعياهم الفقر والتهميش وأضناهم اليأس في غد أحسن.
13 juin 2008

مقهى الهِمّة

من عناوين الصحف، للمقالات التحليلية، لبلاغات الأحزاب السياسية وتصريحات أقطابها لا تجد هده الأيام غير الحديث عن فؤاد عالي الهمة وحركته لكل الديمقراطيين.
الأسبوع الفارط، أصدر حزب الاتحاد الاشتراكي بلاغا لمكتبه السياسي يفيد بما معناه أنه ممنوع على مناضلي الحزب الانضمام إلى حركة الهمة. لم يسمها صراحة ولكن لا أحد بليد. بدعوى أن مبادئها تتناقض مع مبادئ الحزب وهي وجه من أوجه اختلالات الحياة السياسية بالبلاد.
طبعا، هذا رأي قيادة الاتحاد الاشتراكي. وهو رأي محترم، وقد يكون هو عين العقل. لكن على حد علمنا، لم يصدر الحزب أي بلاغ أو بيان يوضح موقفه من الحركة نفسها، ولم يوضح لمناضليه ولا للرأي العام كيف أن المبادئ تتعارض. ولعله إن فعل ذلك، سيُنَوِّر الرأي العام كله وليس مناضليه فقط.
والأغرب من ذلك أنه نفس الحزب الذي شكل حكومة أقلية بفضل دعم فريق الهمة نفسه. إذا سألت قيادة الاتحاد عن اعتمادها على فريق الهمة لولوج الحكومة، اعتبرت الأمر حلالا بيِّناً، وإن سألتها عن الحركة، قالت حراما بيِّناً!
أحزاب أخرى اعتبرت الحركة مشروع إعادة إنتاج جبهة اكديرة، وإعادة تجربة زمن الستينيات والحسن الثاني وأوفقير... وهناك، في الجهة المقابلة أطراف تعتبر الحركة هي مستقبل المغرب، وهي مفتاح لمشاكله، وهي البديل لكل ما هو قائم وفاشل. وآخرون يأتون برسائلهم ومشاكلهم لإبلاغها للملك عن طريق الهمة. ومن يرى في الهمة غول سيبتلع الأحزاب ومن عليها أو سوبرمان سيقلب خارطة السياسة بالبلاد...
هل حركة لكل الديمقراطيين شيطان أكبر يهدد كيان هذه الأمة وجب وأده في مهده؟ أم هي مساهمة في مجهود إصلاح أعطاب الممارسة السياسية؟ أم جمعية كباقي الجمعيات لها برامج ولها طموح قد تحققه وقد تخفق فيه؟ هل هي حزب الملك؟ أم حزب المجتمع؟ أم ليست مشروع حزب أصلا؟
إذا رجعنا إلى وثائق الحركة وإلى تصريحات أعضائها، فلن نجد ما قد يختلف عليه لا الاتحاد الاشتراكي ولا حزب الاستقلال ولا الحركة الشعبية ولا المجتمع المدني. هي أفكار يعبر عنها الجميع، ولا أتصور أن تكون تلك الأفكار مصدر اختلاف إلى هذا الحد مهما كانت الخلفيات الإيديولوجية أو السياسية أو الثقافية.
أصحاب الحركة أنفسهم يصرحون أنهم لم يأتوا بإطار جاهز و"Prêt-à-porter"، بل بأفكار سيتداولون فيها مع الناس ويطورون فكرتهم وإطارهم، حسب ما سيقع من تفاعلات. بهذا المعنى، فهم أنفسهم، وإن كانوا يدركون ماذا يريدون، فليسوا ملمين بكل تفاصيل وأوجه ما سيصبح عليه مشروعهم، بل الأمر قابل للتفاعل وللتعديل.
كل حزب أو طرف يرى في حركة لكل الديمقراطيين ما يتصوره. هناك من يرى فيها منافسا ويريد محاربتها مهما كان شكلها، وهناك من يرى فيها ملاذا لتحقيق ذاته ويخطب ودها دون حتى معرفة ماهيتها. أي اجمالا ان المواقف المعلنة ما هي لحد الساعة سوى انعكاس لهواجس وتخوفات البعض و على العكس متمنيات بالنسبة للبعض الآخر.
شخصيا، يمكن أن أقول إن تشخيص الحركة للوضع والأفكار المقترحة قد يمكن أن تشكل قاعدة عمل لقطب واسع من الديمقراطيين. ولكن ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل. وهو ما سيتوضح بالتأكيد من بعد.
لذلك، سيكون من الصعب فهم وتقبل كل هذه الحروب أو التهافت غير الواعي، عوض التعاطي العقلاني مع حركة هي في أول المطاف وآخره محاولة أفراد لن يكتب لها النجاح مهما كانت لها من إمكانات إذا لم تجد الفرصة المواتية لها وإذا لم تكن تستجب لحاجيات في الواقع.
هناك حاجة لان توضح الحركة الأساليب والآليات التي تنوي الاشتغال بواسطتها. وحاجة لأن يتعامل الفاعلون مع الحركة كمبادرة سياسية تقتضي الحوار والنقاش والتوضيح حتى دعمها وتقويتها ان كان فيها خيرا أو تجاهلها ومحاربتها ان كانت مجرد ارتداد إلى الوراء.
أتصور لو أعانت الحركة انها لن تتحول لحزب ولن تنافس الأحزاب الخالية في الانتخابات والمسؤوليات، كل هده المواقف الستالينية ستتحول إلى دعم بلا حدود ! لان الفاعلين وصلوا من العياء والإنهاك إلى درجة عدم القدرة على المنافسة. وهدا مربض الفرس وليس شيئا آخر.
بعد المسيرة وجدنا من يطلق الاسم على كل شيء: مقهى المسيرة، خي المسيرة، حمّام المسيرة، ملعب المسيرة... وكذلك لما غلب الحديث عن الشباب أو ظهور قناة الجزيرة: مكانيك الشباب، حلاق الجزيرة ومقهى الجزيرة ...
من الفظيع أن تصنع حركة عمرها بضعة أسابيع الحدث كل يوم، وترتبك بسببها أحزاب "ضاربة" في أعماق التاريخ المغربي وضاربة في "أعماق" المجتمع عوض العكس. أحزاب في الواقع "ضاربها بنعسة" لن تستفيق منها لا بالفشل في الانتخابات ولا بحركة الهمة! إذا بقيت الأحزاب على ما هي عليه من فراغ وانكماش واشتغال على المصالح الذاتية وهروب من مسؤولية تاطير المجتمع، لن يكون غريبا أن نرى غدا مقهى الهمة و حمّام الهمة و ملعب الهمة .... وليس فقط حزب الهمة !! لأن الطبيعة لا تحب الفراغ بالهمة أو بدونه. وهدا هو السؤال الحقيقي.
الطيب حمضي
6 mai 2008

الشعبوية

من أسوأ الأخطار على الحياة السياسية وعلى العقل الجماعي للشعوب هو خطر الشعبوية. فالشعبوي، أينما كان وفي كل زمان، هو رجل (أو امرأة) له جماهير عريضة تنتظر كلامه وتحليلاته وإشاراته. شخص يدغدغ عواطف الجماهير، يقول لها ما تريد سماعه، يجاري الرأي العام ولو ضد المنطق أو ضد أفكاره وقناعاته هو نفسه. الشعبوي يبيع للناس الأوهام، يصوّرهم على أنهم يوجدون قاب قوسين أو أدنى من الانتصار وأن الأعداء على حافة الهزيمة. يصور الناس الذين يخاطبهم على أنهم كلهم ملائكة وأن أعداءهم شياطين.
الشعبوي لا يقول للناس الحقائق ولا نصفها، هو يُغلّفها في علب من الأكاذيب، حتى لا يغضب الناس مما يقول وينفضوا من حوله.
الشعبوي يقول لك إن المغرب كله خيرات وطاقات وأموال تكفي ليعيش الشعب كله أحسن من شعب النرويج! الشعبوي سيقول لك ما الحاجة إلى بناء طريق سيار يساوي الملايير، عوض أن نوزع تلك الملايير على الفقراء ليعيشوا منها ويأكلوا منها.
الشعبوي يرى أين يذهب التيار العام داخل المجتمع ويسايره ويركب عليه ولا يهمه أن يقول الحقائق التي من شأنها خلق نقاش حقيقي وتوعية الناس لمواجهة الأوضاع وبناء المستقبل بناءا حقيقيا.
داخل كل المجتمعات، هناك شعبيون. لكن خطرهم يكون مضاعفا حين يكونون زعماء رأي عام، أو سياسيين، أو نقابيين، أو وزراء، أو رجال دين...، أي حين يكونون في الأماكن التي من المفترض أن تكون بؤر تنوير وتأطير للرأي العام.
الشعبوي يجعلك تؤمن بأن تحرير فلسطين واندحار العدو الإسرائيلي قد يحصل خلال ساعات، وأن كل ما تراه في الواقع من تقهقر وتشردم هي في الواقع بشائر النصر الأخير، وأن العراق على وشك التحول إلى جنة على يد المجاهدين، وأن البطالة بالمغرب يمكن استيعابها كلها في رمشة عين إذا عرفنا كيف نستغل طاقاتنا أحسن استغلال وقضينا على البرجوازيين.
الشعبوي يجعلك تندم على سنوات القرن الثامن عشر والسابع عشر. إنها كانت سنوات الخير مقارنة مع عصرنا الحالي.
الشعبوي يعدك بكل شيء، لكن بدون برنامج، بدون تفاصيل، بدون عقل، لأن خطابه لا يوجه إلى العقل، بل أساسا إلى العواطف.
حذار! الشعبوي ليس جاهلا! الشعبوي قد يوظف كل العلوم لبناء خطابه الذي يصبح دجلا حتى وإن كان مليئا بالنظريات والمفاهيم العلمية.
الشعبوي يوظف الحقائق الناقصة والخارجة عن سياقها، يؤثث خطابه بالمعادلات غير القابلة للتجريب، بالمقارنات التي يصعب التحقق منها. الشعبوي يقوم بكل شيء لتبقى أسهمه في بورصة «الجمهور» مرتفعة.
الشعبوية خطر على الشعوب وعلى مستقبلها، لأنها أفيون تخدر إحساس الناس بالواقع وتصيب عقولهم بالخمول وتثبط عزائمهم في التفكير في الحلول الحقيقية لمشاغلهم وتجعلهم يستكينون للحلول السهلة والسطحية.
الشعبويون خطر على المصلحة العامة إذا كانوا أصحاب قرار، وبالإمكان أن يكونوا وراء تبذير ثروات الشعب بسبب قرارات تمليها عليهم شعبويتهم حتى وإن كانت تناقض المصالح الحقيقية للشعب.
الشعبويون يوظفون «العلم» والديماغوجية على حد سواء، المهم أن تُعجِب مواقفهم أوسع شرائح الناس، ليس حبا في الناس ولا تقديرا لرأي الناس، ولكن حرصا على استمرارهم هُم في مواقعهم، سواء أكانت تلك المواقع كراسي مسؤولية أو مواقع تجلب المال أو السلطة أو الشهرة أو كلها أو بعضها.
هل ببلادنا وزراء شعبويون؟ زعماء أحزاب سياسية شعبويون؟ زعماء نقابيون شعبويون؟ صحافيون شعبويون؟ زعماء رأي عام شعبويون؟ هل يوجد بالمغرب نماذج من هؤلاء؟ الجواب: يوووووووووه!.
الطيب خمصي
30 ماي 2008

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi