الأحزاب الجَنِـيسة

دعونا نتحدث عن الأدوية الجَنِيسة أولا (Médicaments Génériques)، وبعدها الأحزاب الجَنِيسة (Partis Génériques). لا شك أنكم تتابعون هذه الأيام وصلات إعلانية تبين أهمية استعمال الأدوية الجَنِيسة بدل الأدوية المرجعية. الأدوية الجَنِيسة هي نسخ طبق الأصل للأدوية المرجعية، ولها نفس الفعالية بالضبط، وثمنها أرخص بكثير. على سبيل المثال، قد تجد دواء ثمنه 300 درهم والدواء الجَنِيس ثمنه أقل من 50 درهما بنفس الفعالية بالضبط. والسبب؟ حين يكتشف مختبر ما دواء جديدا، يكون قد قام بصرف ميزانيات ضخمة في البحث لمدة سنوات. لذلك، حين يتم اكتشاف دواء جديد، يعطيه القانون حماية لمدة 20 سنة لا يمكن لأحد أن ينتج أو يبيع دواء مشابها له. خلال هذه العشرين سنة، يكون وحده «محتكرا» للسوق ويبيع دواءه بثمن عال لا يشكل فيه ثمن الكلفة إلا نسبة قليلة والباقي رسوم ومصاريف وأرباح واسترجاع لمصاريف الاستثمار في البحث. وهذه مسألة معقولة، إذ لولا ذلك لما قام أي أحد بصرف سنتيم واحد في البحث، ولما تطورت وسائل العلاج. بعد العشرين سنة، يمكن لأي مختبر أن يستنسخ ذلك الدواء ويبيعه بثمن أقل من ثمن الدواء المرجعي. ولذلك، فالفرق بين الإثنين هو «فارق قانوني» فقط وليس طبيا ولا كيميائيا: نفس الفعالية تماما ونفس الخصائص. هذا عن الأدوية الجَنِيسة. لنعد الآن إلى الأحزاب والعمل الحزبي بالمغرب. هناك إجماع بالمغرب اليوم على أن العمل الحزبي في أزمة عميقة. رغم الكم الكبير من الأحزاب، فإن المواطن لا يجد نفسه فيها ولا يحس بأنها تمثله أو تعبر عن مشاكله وانتظاراته. لذلك، لم تستطع مثلا كل هذه الأحزاب والرموز أن تستقطب إلا ثلث الناخبين في انتخابات 2007. وصورة الأحزاب سيئة لدى المواطن المغربي، فهي مؤسسات في أغلبها غير ديمقراطية، لا تجدد هياكلها، زعماؤها خالدون، تتفشى داخلها المحسوبية، لا تتمتع بالشفافية لا في تدبيرها التنظيمي ولا الإداري ولا المالي، غير مستقلة عن الدولة، غير قادرة على اتخاذ المبادرات، مكتفية بالتصفيق والتهليل لبرامج الدولة، لا برامج لها تسعى إلى تطبيقها... هذه الأزمة هيكلية وليست مرتبطة فقط بعجز الأشخاص، رغم أن لهم مسؤوليات كبرى في خلق الأزمة. ولكن القوانين والإطار العام المليء بالامتيازات الممنوحة للسياسيين جعلت من العمل الحزبي فرصة للترقي الاجتماعي على حساب العمل الوطني، وفرصة للإثراء والحصول على الامتيازات. ومادام هذا الإطار كما هو، فإن الحياة الحزبية لن تعرف لا تجديدا ولا ديمقراطية ولا شفافية ولا هم يحزنون. حين أسس الهمة ورفاقه «حركة لكل الديمقراطيين»، شاطرها التشخيص عدد من الفاعلين، ولكن - وكما سبق أن قلت في مقال سابق- «ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل». كل تلك الأفكار التي عبرت عنها الحركة في لقاءات جهوية همت المغرب كله خلصت إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة من خمسة أحزاب قائمة بعضها جزء من التجارب الحزبية بالمغرب المسؤولة عن فساد العمل الحزبي ببلادنا. لم يكن هناك أي إبداع ولا اجتهاد ولا بحث في ابتداع أساليب وأدوات جديدة للعمل السياسي تعيد للأخير مصداقيته ونبله. اكتفى السيد الهمة ورفاقه بتأسيس حزب على نفس شاكلة الأحزاب القائمة. تم تأسيس حزب جَنِيس، في أحسن الأحوال ستكون له نفس مواصفات الأحزاب القائمة. لم يتم استثمار حتى المشاورات الواسعة والآمال التي فتحت تلك اللقاءات حتى وإن كانت جنينية. هناك إحساس بأن الأمور عولجت بتسرع وبتفكير قريب المدى عوض التدبير الاستراتيجي لحاجيات البلاد، وبتدبير حزبوي مغربي تقليدي عوض التدبير التشاركي للقوى التي اعتمدتها الحركة نفسها. وهذا جزء من أسباب إخفاق الحزب الوليد في تحقيق ما كان ينتظره من الانتخابات الجزئية. الساحة السياسية في حاجة عميقة إلى الخلق والابتكار والإبداع والبحث عن أساليب ووسائل جديدة تخلص بلادنا من ممارسات حزبية عتيقة وعقيمة وتدفع إلى اليأس. ليس حزب الأصالة والمعاصرة وحده الحزب الجَنِيس الذي تأسس ببلادنا. منذ عقدين من الزمن وبلادنا تعرف تأسيس أحزاب جَنِيسة، باستثناء حزب العدالة والتنمية إلى حد الساعة، (من حيث توظيفه لمرجعية دينية، واستقطاب فئات اجتماعية جديدة للعمل السياسي، وإعمال التداول وبعض من الشفافية الديمقراطية الداخلية...) والحزب الاشتراكي الموحد في قوانينه وأدبياته المؤسِّسة (التصريح بالممتلكات، الشفافية، التداول، الميثاق الأخلاقي...)، لكن في الممارسة شيء آخر. سيكون من المجحف أن ينتظر المغاربة من الهمة ورفاقه القيام بهذه المهمة، ولكن كان بإمكانهم تحريك البركة الآسنة في هذا الاتجاه. المسؤولية صعبة جدا وأحيانا تبدو مستحيلة وسط عقليات حزبية متصلبة، لكن أول الغيث قطرة. لكن، كما فات الآخرين، فات حركة الهمة أن تكون هي تلك القطرة، بعد تأسيسها حزبا جَنِيسا، عوض المثابرة لخلق حوار وطني للتفكير في إبداع صيغ رائدة وجديدة وخلاقة لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وتأهيل الممارسة السياسية ببلادنا، بدل الركون للحلول السهلة والمتداولة والجاهزة.
الطيب حمضي
26 septembre 2005

sitemap

http://tayebhamdi.blogspot.com/
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/11/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/10/blog-post_23.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/10/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_26.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_22.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post_28.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post_18.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_21.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_13.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_06.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_23.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_16.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_08.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_26.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_17.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_10.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4815.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2145.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4905.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6133.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5410.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5892.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_754.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_3415.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7717.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_8812.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6094.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2468.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6680.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_3594.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5660.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5437.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_1420.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2002.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7026.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4910.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7126.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_08.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7041.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_06.html

الأحزاب الجَنِـيسة

دعونا نتحدث عن الأدوية الجَنِيسة أولا (Médicaments Génériques)، وبعدها الأحزاب الجَنِيسة (Partis Génériques).
لا شك أنكم تتابعون هذه الأيام وصلات إعلانية تبين أهمية استعمال الأدوية الجَنِيسة بدل الأدوية المرجعية. الأدوية الجَنِيسة هي نسخ طبق الأصل للأدوية المرجعية، ولها نفس الفعالية بالضبط، وثمنها أرخص بكثير. على سبيل المثال، قد تجد دواء ثمنه 300 درهم والدواء الجَنِيس ثمنه أقل من 50 درهما بنفس الفعالية بالضبط.
والسبب؟ حين يكتشف مختبر ما دواء جديدا، يكون قد قام بصرف ميزانيات ضخمة في البحث لمدة سنوات. لذلك، حين يتم اكتشاف دواء جديد، يعطيه القانون حماية لمدة 20 سنة لا يمكن لأحد أن ينتج أو يبيع دواء مشابها له. خلال هذه العشرين سنة، يكون وحده «محتكرا» للسوق ويبيع دواءه بثمن عال لا يشكل فيه ثمن الكلفة إلا نسبة قليلة والباقي رسوم ومصاريف وأرباح واسترجاع لمصاريف الاستثمار في البحث. وهذه مسألة معقولة، إذ لولا ذلك لما قام أي أحد بصرف سنتيم واحد في البحث، ولما تطورت وسائل العلاج. بعد العشرين سنة، يمكن لأي مختبر أن يستنسخ ذلك الدواء ويبيعه بثمن أقل من ثمن الدواء المرجعي. ولذلك، فالفرق بين الإثنين هو «فارق قانوني» فقط وليس طبيا ولا كيميائيا: نفس الفعالية تماما ونفس الخصائص.
هذا عن الأدوية الجَنِيسة. لنعد الآن إلى الأحزاب والعمل الحزبي بالمغرب.
هناك إجماع بالمغرب اليوم على أن العمل الحزبي في أزمة عميقة. رغم الكم الكبير من الأحزاب، فإن المواطن لا يجد نفسه فيها ولا يحس بأنها تمثله أو تعبر عن مشاكله وانتظاراته. لذلك، لم تستطع مثلا كل هذه الأحزاب والرموز أن تستقطب إلا ثلث الناخبين في انتخابات 2007. وصورة الأحزاب سيئة لدى المواطن المغربي، فهي مؤسسات في أغلبها غير ديمقراطية، لا تجدد هياكلها، زعماؤها خالدون، تتفشى داخلها المحسوبية، لا تتمتع بالشفافية لا في تدبيرها التنظيمي ولا الإداري ولا المالي، غير مستقلة عن الدولة، غير قادرة على اتخاذ المبادرات، مكتفية بالتصفيق والتهليل لبرامج الدولة، لا برامج لها تسعى إلى تطبيقها...
هذه الأزمة هيكلية وليست مرتبطة فقط بعجز الأشخاص، رغم أن لهم مسؤوليات كبرى في خلق الأزمة. ولكن القوانين والإطار العام المليء بالامتيازات الممنوحة للسياسيين جعلت من العمل الحزبي فرصة للترقي الاجتماعي على حساب العمل الوطني، وفرصة للإثراء والحصول على الامتيازات. ومادام هذا الإطار كما هو، فإن الحياة الحزبية لن تعرف لا تجديدا ولا ديمقراطية ولا شفافية ولا هم يحزنون.
حين أسس الهمة ورفاقه «حركة لكل الديمقراطيين»، شاطرها التشخيص عدد من الفاعلين، ولكن - وكما سبق أن قلت في مقال سابق- «ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل».
كل تلك الأفكار التي عبرت عنها الحركة في لقاءات جهوية همت المغرب كله خلصت إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة من خمسة أحزاب قائمة بعضها جزء من التجارب الحزبية بالمغرب المسؤولة عن فساد العمل الحزبي ببلادنا. لم يكن هناك أي إبداع ولا اجتهاد ولا بحث في ابتداع أساليب وأدوات جديدة للعمل السياسي تعيد للأخير مصداقيته ونبله. اكتفى السيد الهمة ورفاقه بتأسيس حزب على نفس شاكلة الأحزاب القائمة. تم تأسيس حزب جَنِيس، في أحسن الأحوال ستكون له نفس مواصفات الأحزاب القائمة. لم يتم استثمار حتى المشاورات الواسعة والآمال التي فتحت تلك اللقاءات حتى وإن كانت جنينية. هناك إحساس بأن الأمور عولجت بتسرع وبتفكير قريب المدى عوض التدبير الاستراتيجي لحاجيات البلاد، وبتدبير حزبوي مغربي تقليدي عوض التدبير التشاركي للقوى التي اعتمدتها الحركة نفسها. وهذا جزء من أسباب إخفاق الحزب الوليد في تحقيق ما كان ينتظره من الانتخابات الجزئية.
الساحة السياسية في حاجة عميقة إلى الخلق والابتكار والإبداع والبحث عن أساليب ووسائل جديدة تخلص بلادنا من ممارسات حزبية عتيقة وعقيمة وتدفع إلى اليأس. ليس حزب الأصالة والمعاصرة وحده الحزب الجَنِيس الذي تأسس ببلادنا. منذ عقدين من الزمن وبلادنا تعرف تأسيس أحزاب جَنِيسة، باستثناء حزب العدالة والتنمية إلى حد الساعة، (من حيث توظيفه لمرجعية دينية، واستقطاب فئات اجتماعية جديدة للعمل السياسي، وإعمال التداول وبعض من الشفافية الديمقراطية الداخلية...) والحزب الاشتراكي الموحد في قوانينه وأدبياته المؤسِّسة (التصريح بالممتلكات، الشفافية، التداول، الميثاق الأخلاقي...)، لكن في الممارسة شيء آخر.
سيكون من المجحف أن ينتظر المغاربة من الهمة ورفاقه القيام بهذه المهمة، ولكن كان بإمكانهم تحريك البركة الآسنة في هذا الاتجاه. المسؤولية صعبة جدا وأحيانا تبدو مستحيلة وسط عقليات حزبية متصلبة، لكن أول الغيث قطرة. لكن، كما فات الآخرين، فات حركة الهمة أن تكون هي تلك القطرة، بعد تأسيسها حزبا جَنِيسا، عوض المثابرة لخلق حوار وطني للتفكير في إبداع صيغ رائدة وجديدة وخلاقة لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وتأهيل الممارسة السياسية ببلادنا، بدل الركون للحلول السهلة والمتداولة والجاهزة.
الطيب حمضي
26 septembre 2005

فتوى السيد المغراوي

نقلت الصحف فتوى أصدرها السيد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش على موقعه الإلكتروني حول زواج الصغيرات سنا (9 سنوات)، وما راكمت من ردود أفعال إعلامية وحقوقية، ومنها قيام محام مغربي برفع دعوى قضائية ضد صاحب الفتوى، بما هي دعوة علنية وصريحة لمخالفة مقتضيات القانون الجاري به العمل ببلادنا، وخصوصا مقتضيات مدونة الأسرة.
إن مناقشة القضية تستدعي إبداء ملاحظات أساسية حول الموضوع والردود المترتبة عليه.
-1 الفتوى التي أصدرها السيد المغراوي مكونة في الواقع من جزأين مختلفين تماما. الجزء الأول هو ما يستند فيه إلى الأسس الشرعية لفتواه. وهذه الأسس لن أناقشه فيها، لأحكم بخطئها أو صوابها، لأني ببساطة لست مؤهلا لذلك. يقول: «أما ربط الزواج بالحيض فليس هناك ما يدل عليه، فالمرأة التي أمكنها تحمل الرجل، بكل ما في الكلمة من معنى، يجوز لها التزوج». وهو هنا يقول إنه ليس هناك في الشرع ما يربط بين الزواج والبلوغ أو الحيض أو بلوغ سن معينة، بل الحكم مرتبط بقدرة «المرأة» أو «الطفلة» بتحمل الرجل بكل ما في الكلمة من معنى.
-2 قلت أني لست مؤهلا لمناقشته في الأسس الشرعية لهذه الخلاصة. ولكن في نفس الوقت لم أسمع فقيها واحدا ولا متخصصا واحدا، ممن سئِلوا حول هذه الفتوى، قال عكس هذا الكلام، أو قال إن هناك سنا معينة يحرم الدين الزواج دونها، أو أن الفتوى مخالفة لأحكام الشرع. حتى الفقهاء الذين خالفوه لم يقولوا إن ما جاء به مخالف للشرع، بل تحدثوا عن عدم ملاْءمة الفتوى للواقع الحالي...
-3 لكن في الجزء الثاني من الفتوى - وهو الأخطر- ليس هناك استناد إلى الشرع، بل رأي خالص للسيد المغراوي، حيث يقول: «طبعا السن الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح، لكن قد تظهر الابنة على عشر أو إحدى عشر أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر. يكون لها جسم وعقل وبنية ومؤهلات تمكنها من الزواج، فهذا الأمر شهدناه وعرفناه وسمعنا به وحدثنا به، إن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه». هذا حكم قطعي بكون ابنة التاسعة مثلها مثل ابنة العشرين وربما أكثر!!
هذا الجزء الثاني هو قناعة السيد المغراوي ورأيه الخاص واستنباطه وفهمه الخاص لنفسية الطفلة وسلوكياتها وقدراتها. وهدا أمر خطير أن يعمم أي كان و مهما كان حتى ولو كان عالما على العامة مفاهيم وآراء خاصة به من شانها تشجيع الناس على الاعتداء على الطفولة واغتصابها باسم الزواج.
-4 من الخطير جدا تصور أن هناك من يعتبر ان الطفلة في عمر التسع سنوات لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق. هذا الحكم والجزم فيه خطورة كبرى على الطفولة. أكيد هناك حالات في التاريخ الإسلامي لزواج ابنة التاسعة ومنها النبي (ص)، ولكن هذه حالات خاصة ولم يصدر بشأنها تعميم على كل الطفلات من التاسعة فما فوق أو حدوثها أصلا بناءا على كون بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!!
-5 في هذا الجزء لم يستعن السيد المغراوي لا بالدراسات العلمية ولا بالتجارب الإنسانية ولا بأحكام من الشرع. اد حتى الحالات التي أوردها هو نفسه لم يكن المبرر وراء جوازها هو كون الشرع يعتبر بالقطع أن ابنة التسعة لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!! بل إن السيد المغراوي حكم بما حدث به وسمع وعرف وشاهد هو كفرد. ومن حقنا أن نتساءل كم هي الحالات التي شاهدها السيد المغراوي لطفلات من تسع سنوات متزوجات داخل عائلته أو محيطه؟!
-6 حين نربط بين الجزأين، نفهم وكأن زواج ابنة التسع سنوات أمر لا غبار عليه في الشرع. والحال أن الشرع - حسب السيد المغراوي نفسه- يبيح زواج المرأة متى كانت قادرة على تحمل الزواج بكل ما للكلمة من معنى. هنا، انتهى حكم الشرع. أما متى تكون المرأة قادرة على تحمل الزواج، فهذا ما لم يتم حسمه بالأرقام. لا في التسع سنوات ولا الأربع سنوات ...
-7 وحين يقول السيد المغراوي «طبعا السنوات الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح»، فما هي السنوات الصغيرة والصغيرة جدا؟ ابنة السنتين؟ ثلاث سنوات؟ سبع سنوات؟ هل في الشرع ما يمنع السبع سنوات؟ والست سنوات؟ والخمس؟ لذلك، فإن السيد المغراوي حين أدخل حكمه الخاص وفهمه الخاص في الجزء الثاني أخل هذا الجزء بما سبقه من حديث في الشرع.
-8 أنا سأتفق مع السيد المغراوي في كون الشرع لم يربط بين الزواج والحيض، وأن المرأة تتزوج متى كانت لها القدرة على تحمل الزواج بكل ما في الكلمة من معنى، وأحيله على مدونة الأسرة بالمغرب.
-9 فالمدونة تشترط سن الثامنة عشر بالنسبة للمرأة، كما للرجل، في موضوع الزواج، لكنها تفتح المجال لزواج من هي أقل من ذلك إذا سمح القاضي بالموضوع لظروف خاصة.
وهذا المنع الذكي أو الاستثناء المشروط، جاء نتيجة للتوفيق بين ضرورة احترام الواقع الحالي والمعطيات العلمية والسوسيولوجية والنفسية، دون تعارض مع الشرع.
الشرع لا يشترط سنا معينة ولكن القدرة على تحمل الزوج. والمجتمع يرى -من خلال المشرع- أنه في سن الثامنة عشر تتكون لدى المرأة هذه القدرة عموما وهي السن المطلوبة للزواج كقاعدة عامة. أما إذا كانت هناك حالات خاصة، فالقاضي له رأي يبنيه بعد الاطلاع على المبررات والاستعانة برأي الطبيب وأي خبير نفسي أو اجتماعي للحكم بإمكانية أهلية الفتاة للزواج أم لا قبل الثامنة عشر.
-10 في هذه الحالة، تصوروا معي أبا يجر ابنته ذات الثماني أو تسع سنوات نحو القاضي لطلب إذن تزويجها! إذا كان الأب يعيش زمنا آخر، فالقاضي هنا ليجعله يراجع نفسه بالعلم والخبرة والشرع والقانون.
-11 ان خطورة فتوى السيد المغراوي لاتكمن في الجزء الشرعي من اجتهاده، بل في الرأي الشخصي الذي ضمَّنه وأضافه مع الفتوى. الشرع لم يحدد للزواج سنا معينة، بل مربوط فقط بالقدرة على تحمل الزوج، هذا اجتهاد ورأي لفقيه قد يكون هو الصواب. ولكن الشرع لم يقل «أن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه»... هذا رأي خاص للسيد المغراوي ومن حقه أن يكون له من الآراء الخاصة ما يريد حتى وإن كانت مخالفة للقوانين وتشكل خطورة على المجتمع مادام يحتفظ برأيه لنفسه. ولكن حين يتم بث مثل هذه الآراء الخاصة على الملأ، ومن شانها التحريض ولو من غير قصد على الاعتداء على الأطفال مثلا أو مخالفة القوانين فهذه هي ما يقع تحت طائلة القانون.
الفتوى ليس فيها دعوى لمخالفة مقتضيات مدونة الأسرة ولكن أحكام وآراء من شانها التحريض على الاعتداء على الطفولة!
الطيب حمضي
19 septembre 2008

العمليات الاستشهادية: مسائلة الذات

منذ أشهر عدة وأنا متردد في الكتابة بصراحة عن العمليات التفجيرية الانتحارية من أجل مسائلة الوعي الجماعي للمغاربة والتحسيس بخطورة وسيلة إرهابية جديدة قد نتساهل في إدانتها اليوم، تكون سبب خراب مستقبلنا وتدمير حياتنا وحياة من نعز. وفي نفس الوقت قررت إبداء الرأي حول العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني داخل إسرائيل. ومن البداية فإني أفرق بين القضيتين: عمليات تفجيرية انتحارية من جهة والعمليات الاستشهادية، فالأولى عمل إرهابي خالص، أدينه كما أدين أي عملية إرهابية أخرى، والثانية شكل من أشكال المقاومة اضطر الفلسطينيون إلى استعماله دفاعا عن النفس، وإن كانت الوسيلة نفسها فيها الكثير مما يقال من حيث حق منفذيها في الحياة، و ضحاياها وأهدافها ومردوديتها وتأثيرها على تطور نضال الشعب الفلسطيني.
أفرق بين العمليات التفجيرية الانتحارية كتلك التي عرفتها ماليزيا، والبيضاء، وتركيا والسعودية مؤخرا ومدريد ... والعمليات الاستشهادية من حيث أن كل صنف له مميزاته و خاصياته:
1- العمليات الاستشهادية لها أهداف محددة، معروفة، معلنة ومشروعة: مقاومة الاحتلال وطرد المستعمر.
2- العمليات الاستشهادية دفاع عن النفس ضد الجبروت الإسرائيلي، الذي يقتلع الأخضر واليابس، يقتل المسلحين والمدنيين، النساء والرجال، الأطفال والكهول.
3- العمليات الاستشهادية موجهة ضد عدو لم يترك للفلسطينيين مجالا كبيرا للحركة والدفاع عن النفس. فالحكومة الإسرائيلية لا تعبأ بالقرارات الدولية ولا بالقانون الدولي ولا بالرأي العام العالمي. تمارس العقاب الجماعي، والقتل خارج نطاق القضاء والتقتيل الجماعي والتنكيل اليومي بشعب محاصر ومجوع. إن حكومة إسرائيل تمارس بكل بساطة إرهاب الدولة.
4- العمليات الاستشهادية تقوم بها أجنحة عسكرية لتيارات سياسية فلسطينية لها قيادات وتنظيمات وأهداف. أي تابعة لجناح سياسي ممكن التفاوض معه والوصول لحلول.
5- العمليات الاستشهادية هي جزء من نضال مسلح ونضال سياسي طويل يخوضه الشعب الفلسطيني منذ أزيد من نصف قرن، وليست وليدة قرارات لحظية وردود أفعال ضد أوضاع آنية.

أما العمليات التفجيرية الانتحارية:
1- فأهدافها إما غير معلنة تماما، أو فضفاضة وعامة، أو غير مشروعة أصلا. فهؤلاء يريدون معاقبة هذه الحكومة على مواقفها من الحرب ضد العراق (إسبانيا)، وآخرون يهددون بمعاقبة حكومة على قرار داخلي حول الحجاب (فرنسا) وعمليات أخرى يهدف أصحابها إلى ضرب اليهود أينما كانوا (عملية جربة) ... بمعنى أنه وفقا لهذا المنطق، فإن أي مجموعة من ثلاثة أو خمسة أشخاص أو ربما أقل لم يعجبها قرار ما (عدم تسوية أوراق الأجانب مثلا، أو بيع الخمور أو ظهور نساء بدون حجاب على شاشات التلفزيون) يعتبرون أن من واجبهم الأخلاقي، أو السياسي أو الديني القيام بعملية انتحارية تفجيرية لمدرسة أو قطار أو مستشفى لحمل الحكومة على مراجعة قراراتها !!
2- العمليات التفجيرية الانتحارية تقوم بها جماعات أو مجموعات، لم تقم بأي مجهود للوصول إلى أهدافها بطرق سلمية، فبين عشية وضحاها تنبث جماعات مسلحة تحدد أهدافها (إن كانت لها أهداف) دون الإعلان عنها وتبدأ في حصد أرواح الأبرياء.
3- العمليات التفجيرية تهدف إلى فرض آراء من المفروض أن النضال السلمي هو سبيلها الوحيد. والشعب الإسباني مثلا هو المؤهل الوحيد لمعاقبة حكومته على انخراطها في الحرب ضد العراق. وهو قادر على ذلك. والشعب الذي فقد 200 من أفراده وحوالي 2000 جريح هو نفسه الذي خرج منه خمسة ملايين متظاهر ضد الحرب.وكان 90 في المائة منه ضد قرار الحكومة بخوض الحرب ضد العراق بجانب بوش.
ولنعط مثالا آخر : المغرب كان يقيم علاقات دبلوماسية مع العدو الإسرائيلي، هل كان هذا يعني أن يقوم المناهضون ضد التطبيع بتفجير قطار لحمل الحكومة علا قطع العلاقات مع إسرائيل؟ خاض الشعب المغربي نضالا مدنيا وضغطا جماهيريا حتى تمت الاستجابة لضغط الشارع. ليس كل من نبتت في دماغه فكرة إلا وكانت هي الحقيقة التي يجب قتل الأبرياء من أجل فرضها.
4- العمليات التفجيرية الانتحارية تقوم بها مجموعات مجهولة الأهداف والتنظيم، ويصعب بالتالي حتى أخذ أهدافها مأخذ الجد، إذا ما افترضنا ذلك. فلا شيء يمنع مجموعة مجهولة أن تفتي علينا كل يوم مطالب جديدة.
5- ولنفترض أن مطالب المجموعات المجهولة أحيانا مطالب "معقولة" ما الذي يمنع إذا رضخنا لذلك وأصبحت هذه العمليات وسيلة ناجعة لتحقيق المطالب أن نرى إذا مجموعات أخرى بمطالب غريبة، ولن يكون أمام المجتمعات إلا الرضوخ لها أو يتم تفجير حمام للنساء أو معمل لنسج الزرابي ؟
6- العمليات التفجيرية الانتحارية تروم تحقيق أهداف إما غير مشروعة أصلا يلجأ أصحابها لهذا الأسلوب الإرهابي لتحقيقها، أو تروم تحقيق أهداف مشروعة ولكن لا تحظى بقبول الغالبية بل أقلية قد تتطور مع الزمن لأغلبية، أو أهداف مشروعة يمكن بل يجب تحقيقها بالوسائل السلمية المتاحة.
وحيث تكون الوسائل السلمية الديمقراطية غير متاحة يجب النضال من أجل فرض نظام سياسي ديمقراطي يبيح هذه السبل والوسائل وليس الحفاظ على النظام على ما هو عليه وفرض آراء وقرارات عن طريق الإرهاب مع الإبقاء على أصل الداء.
لكل ما سبق فان العمليات التفجيرية الانتحارية التي تستهدف قتل المدنيين الأبرياء هي عمليات إرهابية مدانة سواء وقعت بالمغرب أو أسبانيا وإنجلترا أو أي دولة من دول العالم.
هي عمليات إرهابية وجب محاربتها ومحاربة المناخ والبيئة التي تفرزها على كل المستويات: الأمنية والمادية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها من العوامل. لأن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يعيش تحت جبروت وتهديد الإرهاب الذي يمكن أن يضرب في أي مكان، ولأي سبب وبأي وسيلة.
هذه أعمال إرهابية يجب محاربتها بنفس القوة التي يجب بها مقاومة ومحاربة إرهاب الدولة، كذلك الذي يمارسه شارون ضد لشعب الفلسطيني.

العمليات الاستشهادية
ولنتحدث كذلك وبصوت عال عن العمليات الاستشهادية التي يقوم بها شباب فلسطيني يقدم روحه دفاعا عن شعبه فداءا لاستقلال وطنه.
ولا أخفي منذ البداية أن هذه العمليات رغم نبل أهدافها ونبل منفذيها ونبل قضيتهم ورغم وطنية تياراتهم، لا اخفي موقفي المزكي لموقف عدد كبير من المثقفين والمسؤولين والشخصيات الفلسطينية والداعي إلى وقفها وذلك بالنسبة لي للاعتبارات التالية:
1- إن الشباب الاستشهادي هو شباب له الحق في الحياة مثل كل البشر، ولا يمكن أن يحرم من هذا الحق فقط لأنه فلسطيني وأرضه محتلة من طرف عدو لا يعرف حدودا للتنكيل ولا يحترم شرائع لا سماوية ولا أرضية.
من مسؤولية المجتمع الدولي أن يوفر لهذا الشباب وهذا الشعب فرص الحياة وليس التفرج بجبن على يأسه ولجوئه لمثل هذه العمليات، دون أن يحرك فينا ذلك ساكنا.
هؤلاء الشباب لهم الحق في الحياة، وعلى المجتمع الإنسان حمايتهم.
2- العمليات الاستشهادية تستهدف مدنيين، وهؤلاء مدنيون حتى وان وجدوا داخل إسرائيل. وهم مدنيون أبرياء، يصعب تبرير قتلهم. وحين يحس كل مدني أنه مهدد فمن الطبيعي أن يتطرف أكثر، ويعطي مشروعية أكثر لحاكم دموي مثل شارون. المجتمع الإسرائيلي فيه متطرفون وهم كثر، وفيه دعاة سلام، وهم قلائل، لكن استهداف المدنيين يقوي صفوف المتطرفين أكثر.
3- العمليات الاستشهادية أصبحت اليوم، وخصوصا بعد استعمالها في جهات أخرى لأغراض إرهابية، أصبحت عقبة أمام تفهم الرأي العام الدولي لمشروعية النضال الفلسطيني، ولنلاحظ أن ما حققته انتفاضة الحجارة الأولى من تعاطف دولي لا مقارنة له مع الوضعية اليوم.
4- إن المرحلة التي وصل إليها النضال الفلسطيني والموقف العربي (القبول بإسرائيل كدولة، القبول بحدود 1967 ... ) يجعل في الوقع إسرائيل هي المستفيدة من توقف مسلسل التسوية السلمية تحت أنظار العالم. فلم يبق للفلسطينيين ما يتنازلون عنه أو يعطوه، بل إسرائيل هي التي أصبحت مطالبة برد الحقـ أو جزء منه ـ لأصحابه. وان كل نضال مسلح يهدف تحقيق مطالب سياسية وإلا كان مضيعة للأرواح.
لدلك فإن اختيار الأسلوب والتوقيت لا بد وأن يراعي الظروف السياسية وأن يهدف إلى خدمة النضال السياسي وليس إعاقته وهدمه.
5- إن العمليات الاستشهادية كانت رسالة لإسرائيل وللضمير العالمي، وقد أدت مهمتها: لإسرائيل قالت أنه لا يمكن للشعب الإسرائيلي أن ينعم بالسلام والأمان وحكومته تحتل أرضا وتنكل بشعب حتى ولو امتلكت كل قوة العالم. وللضمير العالمي لتبين له الى أي حد وصل الجبروت والطاغوت الصهيوني .
إن الرسالة وصلت، ومن شأن مواصلتها في هذا الظرف الدولي الكئيب أن يعكس آيتها.
6- عوض ان نقول أنه لم يعد للشعب الفلسطيني من سبيل غير الدفع بأبنائه في عمليات استشهادية ما دامت الأنظمة العربية خانعة والشعوب العربية نائمة، عوض ذلك علينا أن نتحرك جميعا وبقوة حتى يحس الشعب الفلسطيني بدفء التضامن الذي يغنيه عن مثل هذه العمليات.
عوض أن نجلس أمام مكاتبنا ونذيع البيانات احتفاء بالعمليات الاستشهادية، علينا التفكير في هؤلاء الشباب، في أمهاتهم وآبائهم، في حقهم في الحياة، في كل الابرياء والتحرك بقوة لرفع المظالم عنهم، عوض الاستكانة لعجزنا وجبننا وترك شعب بكامله فريسة لمخالب قطاع طرق وإرهابيين.

الطيب حمضي
avril 2004

ۥمولْ ليبيا

حين تقدم مواطن مغربي ومواطنة تونسية بشكاية لدى الشرطة السويسرية ضد مشغلَيْهما، هنيبعل القذافي وزوجته، بسبب ما تعرضا له من سوء معاملة من طرفهما، استمعت إليهما الشرطة وفتحت محضرا وقامت بما يجب القيام به في أي دولة حق وقانون. وفتحت العدالة ملفا واعتقلت ابن زعيم الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى وزوجته وقررت متابعتهما في حالة سراح. و"الأخ" هنيبعل له مغامرات سابقة من هذا النوع أوردتها الصحافة، حيث سبق أن اعتقلته الشرطة الفرنسية، لأنه اعتدى على زوجته وهي حامل...
إلى هنا، القضية قضية اعتداء تحقق العدالة السويسرية في صحته، قد يثبت وقد يخرج منها "الأخ" هنيبعل بريئا. لكن الأمور ستأخذ بعدا آخر، بعد أن تحرك "الأخ" معمر القذافي في ليبيا وتحركت "الأخت" عائشة القذافي هي الأخرى. هذه الأخيرة ما إن علمت بخبر اعتقال أخيها، حتى أعطت تصريحات تحذر فيها سويسرا من عواقب اعتقال أخيها وهددت بأن ليبيا سترد بقوة ضد سويسرا. شخصيا، لا أعرف أن السيدة عائشة القذافي رئيسة وزراء أو وزيرة أو رئيسة مجلس النواب أو سفيرة ليبيا لدى سويسرا أو الأمم المتحدة مثلا، حتى تطلق مثل هذه التهديدات. يبدو أنها تصرفت وفق منطق هذا أخي وذاك أبي صاحب ومالك ليبيا العظيمة، وسنستعمل ليبيا للدفاع عن هنيبعل!! والمؤسف أن "الأخ" معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر فعلها!! قطع البترول عن سويسرا، واعتقل سائحين سويسريين بليبيا، وأطلق أشباله في الشارع للتظاهر ضد سويسرا حاملين صور الشاب الثوري هنيبعل. طبعا، حكاية قطع البترول فرقعة لا أثر لها، لأن "الأخ" القذافي لا يبعث بالبترول إلى سويسرا مجانا، بل يتقاضى أجرا مقابله، ويعرف أن احتياطي سويسرا يبلغ ثلاثة أشهر، وأن إيجاد مزود بديل لن يتعدى بضعة أيام على أكثر تقدير. لذلك، تراجع قبل أن تغير سويسرا رأيها وتستغني عن البترول الليبي.
ما لم ولن أفهمه كيف أن رئيس دولة يستعمل دولة بكاملها للدفاع عن مغامرات أحد أبنائه! أنا لا أستبق حكم القضاء ولا أدين ابن القذافي قبل القضاء، ولكن أن يستعمل "الأخ" القذافي دولة بكاملها ومصالح شعب بكامله في قضايا تهم تصرفات عائلته فهدا ما لم اسمع به حتى في الكتاب الاخضر حفظه الله !
يبدو أن طول إقامة الأخ القدافي على كرسي حكم ليبيا للعقد الرابع خلق خلطا بين ليبيا الدولة والشعب وممتلكات آل القذافي، فلم يعد فقط زعيم الثورة أو قائدها أو رئيس الدولة، بل صاحب ليبيا أو بالدارجة المغربية "مول ليبيا"!
لم يخطر على بال آل القذافي أن يستفسروا عما فعله ابنهم بخدمه. لم يخطر ببالهم أن المغربي والتونسية مواطنان وكائنان لهما نفس حقوق "الأخ" هنيبعل القذافي. تذكروا كيف أن الشباب المغربي، الذي يسقط في شباك الدولة الليبية في محاولات الهجرة السرية، يعامل أقبح من الحيوان داخل المعتقلات الليبية، وكيف فضحت الصحف المغربية والعربية هذه الممارسات الشنيعة التي يتعرض لها شباب مغربي على يد أجهزة أمن دولة عربية هي ليبيا الشقيقة.
وتذكروا كيف أن العمال العرب بليبيا يعاملون هناك أسوأ معاملة. هذه هي عروبة "الإخوة".
لما قرر "الأخ" القذافي التخلي عن العرب والتوجه إلى إفريقيا، قلت أحسن، ويا ليت لو توجه إلى أوروبا، على الأقل نرتاح نحن بعض الوقت و"تتعثر" أروبا بعض الوقت، عسانا نلحق بها!
الطيب حمضي
05 septembre 2008

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi