المخيمات الصيفية: الحاجة إلى صيغة خلاقة

نحن على بعد بضعة أسابيع من انطلاق موسم المخيمات الصيفية. وسأتحدث اليوم عن المخيمات التي تنظمها الجمعيات والمؤسسات والأعمال الاجتماعية التابعة للقطاعات العمومية أو الشبه عمومية والقطاع الخاص.هذه المخيمات ترعاها وزارة الشبيبة والرياضة. وبالنسبة للعديد منها تمولها ولو جزئيا هذه الوزارة الوصية.
الحقيقة أن المنحة المخصصة لتغذية الأطفال كانت هزيلة ولازالت كذلك. والميزانية المخصصة للمخيمات تعاني من نفس الموضوع. وهذا مربط الفرس. لا يمكن النهوض بالمخيمات دون النهوض بميزانيتها. ومادامت ميزانية الوزارة نفسها ضعيفة، فإنه من العبث الحديث مجددا عن رفع الدعم للمخيمات. ومع ذلك، فإنها مسؤولية الوزارة أولا ومسؤولية الجمعيات التربوية أولا وثانيا. ,يمكن الوصول إلى معادلة خلاقة تسمح بنفض الغبار عن المخيمات دون انتظار ما لن يأتي.
لماذا الاهتمام بالمخيمات؟
قد يبدو الأمر ثانويا. والواقع أن الذين عايشوا المخيمات الصيفية مع الجمعيات يدركون الأهمية القصوى لهذه الفضاءات.
بدءا، الأطفال المنحدرون من عائلات ذات الدخل المحدود، والذين غالبا ما لا يتمكنون من مغادرة منازلهم خلال عطلة فصل الصيف، يجدون في هذه المخيمات فرصة سانحة، وبمقابل رمزي، للاستمتاع بالعطلة، ولاكتشاف مدن أخرى والإحساس بالتغيير. صحيح أن عدد المستفيدين قليل. بضع عشرات الآلاف من أصل الملايين، ولكن يمكن تطوير العدد.
وحتى بالنسبة إلى أطفال العائلات ذات الدخل المرتفع أو التي يمكنها توفير عطل مميزة لأبنائها، فإن تجربة المشاركة في مخيمات تربوية لا تخلو من فوائد عظيمة على المستوى البيداغوجي. أولها، أن يختلط هؤلاء الأطفال بأقرانهم من طبقات اجتماعية مختلفة، مع ما لهذا الاندماج من فائدة في التعرف على الواقع ومعايشته وإدخاله ضمن منطق الأطفال وفهمهم للحياة ولإدراكهم للعالم من حولهم.
ثم إن المخيم، بالإضافة إلى وظيفته الترفيهية، يقوم بوظائف أخرى. الطفل بالمخيم يتعلم الحياة مع الجماعة والتأقلم معها وقبول الآخر والتعود على الاختلاف وتقبله. يتعلم الطفل كذلك الاعتماد على النفس في ترتيب سريره ولباسه. ويتعلم الانضباط لروح الجماعة، من خلال توقيت الأكل والنوم واللعب والسهرات. كما يتعلم قواعد السلوك الجماعي وقواعد التغذية السليمة، والنظافة، والصحة. وتكون المخيمات فرصة للتحسيس مثلا بأهمية البيئة، وصحة الفم والأسنان، وبعض الأمراض. وهي فرصة لاكتشاف وتشجيع مواهب الأطفال في الفن، والثقافة، والخط، والرياضة والأعمال اليدوية...
المخيمات التربوية تجربة مميزة وفريدة، لا يدرك فوائدها إلا القليلون للأسف؛ طبعا هذه الفوائد لها شروط لكي تتحقق. أولها وجود بنية تحتية تتوفر فيها الشروط الدنيا للمخيمات من حيث التجهيز والتأطير والسلامة. وشرط الحد الأدنى من الميزانية المخصصة للتغذية والترفيه والصحة. وشرط التأطير التربوي المحكم. طبعا، هناك جمعيات تخصص من عندها ميزانيات إضافية لإنجاح مخيماتها وجمعيات أخرى يديرها بعض سماسرة المخيمات الذين يجدونها فرصة لسرقة أموال العائلات وحتى سرقة قوت الأطفال. وهناك مسؤولون بالوزارة الوصية يتفانون في العمل لإنجاح المخيمات، وآخرون كذلك يجدونها فرصة للاستفادة من الصفقات على هزالتها أصلا.
هذه أشياء على الوزارة الوصية أن تنكب عليها بمعية ومرافقة الجمعيات التربوية. لكن المشكل لا يكمن هنا فقط. إذ إن الميزانيات المخصصة لقطاع التخييم بل قطاع الطفولة هي أصلا ميزانيات هزيلة. وهنا، على الجمعيات والوزارة الوصية التفكير عميقا لإيجاد حلول خلاقة لتحسين ظروف المخيمات والرفع من عدد المستفيدين منها، دائما في ظروف تربوية بل إنسانية، وليس حشر أبناء الشعب داخل أي مكان، بدعوى أن اللهم هذه المخيمات رغم رداءتها ولا البقاء وسط «البرارك» ومدن الصفيح الصيف كله!!
نعم، بالإمكان الحصول على الأفضل.
ما يقال عن المخيمات هو نفسه ما يقال عن دور الشباب التي يجب أن تتحول من بنايات شبه فارغة في عدد من المناطق إلى نقط جدب وتأطير للشباب.
هذا لن تقوم به الجمعيات التربوية وحدها، ولا وزارة الشباب والرياضة وحدها. ولا يمكن أن يتم التفكير فيه في خضم مخطط أو رؤية مستعجلة، بل يتطلب الأمر قرارا سياسيا، ورؤية إستراتيجية تبلورها لجنة للتفكير الاستراتيجي في كيفية الاستفادة مما هو متاح للحصول على أجود النتائج في مجال تأطير الطفولة والشباب. لجنة تعرف الواقع، تعرف الأرقام، وتدرك أهمية تأطير الشباب والطفولة.
من غير رؤية إستراتيجية، ستظل الفضاءات المخصصة للطفولة أو الشباب كما هي، تتضاءل سنة بعد أخرى.
د.الطيب حمضي
27 mai 2010
www.tayebhamdi.blogspot.com

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi