مَصْر بْخِير

عدد 4_10 فبراير 2011 من اسبوعية "الحياة الجديدة"


د.الطيب حمضي

لما خرج شباب مصر يوم الثلاثاء 25 يناير الماضي للتظاهر كان له مطلب واحد: الشعب يريد إسقاط النظام. لم يعد الناس يطالبون بالشغل والحرية والكرامة والديمقراطية والانتخابات والإصلاحات الدستورية ومحاربة الفساد، لقد وصلوا عبر عقود من المعانات والصبر لخلاصة مفادها أن هذا النظام لم ولا ولن يقبل الإصلاح ولا الديمقراطية ولا الحرية ولا النزاهة. فكثيرة هي القوى والأصوات التي طالبت وناضلت وضحت من أجل إصلاح النظام وإحداث التغيرات، دون جدوى.

منذ أن حكم مبارك مصر وهو يتفنن وحاشيته في تزوير الانتخابات، وتزوير المؤسسات، وتفصيل الدستور على مقاسه، يسمح له بالحكم مدى الحياة ويضمن له غياب أي منافسة، ويطلق يده لعائلته وحاشيته لسرقة ثروات مصر وشعب مصر ولأجل ذلك، تفنن النظام المصري في إيجاد الفدلكات والإصلاحات التي يعتقد أنها تنطلي على الناس.

فهو يجري انتخابات دون أن تكون شفافة ولا ديمقراطية. ينظم انتخابات رئاسية دون أن يسمح لأحد بمنافسة الرئيس الدائم. يتحدث عن محاربة الفساد، بينما يطلق يد عائلته ويد معاونيه في خيرات مصر يسرقونها بينما الشعب يجوع.

ولما اطمأن مبارك لإحكام سيطرته على مصر، أصبح يفكر بل يخطط وينفذ لتوريث الحكم لابنه جمال مبارك. لم يعد النظام المصري يطيق أي نقد لمبارك، وهكذا أرسل الصحافيين للسجون. كان مسموحا للصحافة أن تنتقد الأحزاب والوزراء، لكن ليس انتقاد مبارك وعائلته.

ما الفائدة من انتقاد وزراء لا مسؤولية حقيقية لهم، بينما مركز القرار ومصدره هو مبارك وبطانته؟

قبل أسابيع أجريت انتخابات تشريعية عرفت مشاركة ضعيفة ومقاطعة كبيرة. وتفنن النظام في "تنظيف" البرلمان من أي معارضة.

وقد كان النظام يستعين في ذلك بواسطة الحزب الحاكم الذي استولى على كل إمكانيات الدولة وسخرها لخدمة الحزب. فمن كان خارج الحزب فهو خارج الدولة. واستعان كذلك بجهاز الشرطة الذي عاث فسادا في مصر من قهر وقمع وتنكيل بالمواطنين وتقتيلهم. استعان بالبلطجية الذي يسخرهم النظام ضد المعارضين، بل اعتدوا حتى على القضاة الدين كانوا يراقبون الانتخابات قبل ان يمنعهم مبارك من دلك..

هذا هو المناخ العام الذي خرج فيه شباب مصر من الفيسبوك إلى الشارع.

فهل يطالبون بالشغل؟ بالديموقراطية؟ بالكرامة؟ بمحاربة الفساد؟ خرجوا ليطالبوا بكل هذا وبغيره، لكنهم يدركون أن هذا النظام لن يحقق شيئا من هذا. لذلك طالبوا أولا بإسقاط النظام. لو كان النظام يتجاوب، ولو جزئيا، مع مطالب الناس، لطالبوه بالحرية والإصلاحات الدستورية والشغل. لكنه نظام مستبد ومتخلف وفاسد ومتكبر، ولا سبيل لتحقيق هذه الإصلاحات إلا بعد تغيير النظام نفسه من خلال إسقاطه.

أكتب هذا المقال اليوم، الثلاثاء فاتح فبراير، وسيكون بين أيدي القراء الأعزاء يوم الجمعة. قبل أن يصلهم المقال غالبا ما سيكون حسني مبارك في خبر كان لأن هذه إرادة الشعب المصري.

من المستحيل أن يبقى نظام عربي واحد مستبد، ظالم وفاسد جاثما على صدر شعبه. هناك رؤوس أينعت وتم قطعها (بن علي بتونس ومبارك بمصر). وأخرى قريبا جدا (اليمن) ثم بعدها (السودان، والأردن وسوريا) إن لم تتدارك حالها باستعجال، أما الباقي فأمامه فرصة الإصلاح أو الإسقاط.

تونس و شعب تونس فتحا باب الأمل أمام الشعوب العربية. أما مصر وشعب مصر فقد فتحا هذا الباب على مصراعيه. شباب مصر يخلِّصون مصر، اليوم، من براثين الاستبداد والظلم والتخلف، ويعيدون لمصر كرامتها وهيبتها وريادتها للعالم العربي.

مادام هذا الشباب المصري هب بهذا الشكل دفاعا عن كرامة مصر فإن مصر بخير.

الطيب حمضي 3 فبراير 2011



clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi