سلاح حزب الله

"إذا لم يبادر حزب الله إلى فك الارتباط بين العمل السياسي والعمل المسلح، فإن من شأن ذلك، عاجلا أم أجلا، أن يؤدي إلى خلق مطبات وعقد كثيرة في الحياة السياسية اللبنانية. فلا المقاومة ستبقى محط إجماع، ولا حزب الله السياسي ستكون له مشروعية ديمقراطية... ونفس الأمر ينصب على حركة حماس بفلسطين". هذا مقتطف من مقال كتبته قبل سنتين. قبل أن يقع ما وقع لحماس، وطبعا سنتين قبل أحداث لبنان الأخيرة.
بعد أيام معدودة من سيطرة حزب الله عسكريا على بيروت بقوة السلاح، وإغلاق طريق المطار والمطار، وسيطرة مسلحيه على الشوارع وإغلاقه وإحراقه لوسائل إعلام التيارات المخالفة له، ها هم الفرقاء اللبنانيون يتحادثون في الدوحة. حزب الله والمعارضة والدول المساندة له يعتقدون أن حزب الله يفاوض في موقع قوة، حيث أوضح بشكل ملموس كيف يمكنه أن يسيطر على بيروت في ظرف ست ساعات فقط. لكن، تعالوا نرى على من انتصر حزب الله؟
حزب الله استوطن أحياء كاملة في بيروت وجنوب لبنان ومناطق أخرى للتدرب على السلاح، منذ سنوات. واللبنانيون كلهم تساهلوا، بل سهّلوا ذلك، لأن السلاح سلاح المقاومة، مقاومة إسرائيل. حزب الله تلقى الملايير من لدن إيران والسلاح عن طريق سوريا. والدولة اللبنانية والشعب اللبناني يعرفان ذلك، ولم يمانعا، لأن الأموال توجه إلى مناضلي حزب الله وهم جنود المقاومة، مقاومة إسرائيل. حزب الله اقتطع أجزاء من لبنان وخلع عنها سيادة الدولة اللبنانية وأسدل عليها سيادة حزب هو حزب الله. واللبنانيون لم يمانعوا في ذلك، لأن تلك مناطق أمنية لحماية المقاومة، مقاومة إسرائيل.
حزب الله بنى المستشفيات وأقام المدارس ووسائل الإعلام ودور الأيتام والمشاريع من أموال آتية من إيران ومن داعمين لمقاومة الاحتلال، وهو بذلك يركز شعبيته. والدولة اللبنانية لم تعترض، ولا الشعب اللبناني، لأن تلك بنيات ومؤسسات لدعم الشهداء والفدائيين والمقاومة، مقاومة إسرائيل.
مقاومة إسرائيل خط مشترك للدولة اللبنانية والشعب اللبناني. ولهذا السبب، سُمِح لحزب الله بما لم يُسمح به لغيره، لا في لبنان ولا غير لبنان.
السلاح والديمقراطية لا يلتقيان في يد واحدة. المقاومة للوطن كله، ولا يمكن أن تكون حزبا أو طائفة. والممارسة الديمقراطية عمل سياسي ليس فيه لا إجماع ولا قدسية لأحد. لذلك، وفي أول منعطف، خرج حزب الله إلى الشارع حاملا أسلحته، موظفا مليشياته وخبرته العسكرية للاعتداء على خصومه السياسيين وعلى الحكومة وعلى الدولة اللبنانية.
وظف حزب الله الأموال المخصصة للمقاومة، والسلاح المخصص للمقاومة، والمؤسسات الداعمة للمقاومة، والدعم الآتي من الخارج لدعم المقاومة، وأموال إيران الداعمة للمقاومة، والسلاح الآتي من سوريا دعما للمقاومة، وخبرات مليشياته التي اكتسبها من أجل المقاومة... استغل كل هذا لفرض وجهة نظره على خصومه السياسيين. استعمل إرث المقاومة وأملاك المقاومة وتاريخ المقاومة وشرف المقاومة وسمعة المقاومة، لإسكات صوت خصومه السياسيين. هل يصدق أحد بعد اليوم في لبنان أنه في مأمن من سلاح حزب الله؟ إسرائيل تشعر بالأمان، لأن حزب الله قبل بقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار صيف 2006، والتزم به، وقبل بتواجد قوات دولية في الجنوب اللبناني. لكن من يحمي الشعب اللبناني من سلاح حزب الله؟ هل لازال ممكنا أن يغمض الشعب اللبناني والدولة اللبنانية عينيهما إزاء تدفق السلاح لحزب الله، ومعسكرات حزب الله، وأموال إيران لحزب الله، والمربعات الأمنية لحزب الله؟ بعد استعمال حزب الله لسلاحه للسيطرة على بيروت وإسكات خصومه، هل يمكن الوثوق في تعهد حزب الله بعدم استعماله مجددا في الداخل وضد اللبنانيين وشعب لبنان ومؤسساته؟ المنطق يقول اليوم إن لبنان أمام خيارين: إما أن تتسلح كل الفصائل، وكل الفصائل تأخذ بقعا من لبنان مربعات أمنية لها وتأخذ السلاح والمال للتداريب العسكرية من الدول المساندة لها، حتى يكون هناك توازن، ويكون نفس «الحق» مشاعا بين الجميع. وإما أن يتساوى الجميع أمام القانون وينزع كل الفرقاء أسلحتهم ويتبارون في السياسة والديمقراطية بأفكارهم وبرامجهم وبأموالهم، وليس بالسلاح وأفكار وأموال غيرهم! لقد كان على حزب الله أن يفك الارتباط بين العمل السياسي والعمل المسلح حتى تبقى المقاومة للوطن كله ومحط إجماع، عوض استعمالها وأسلحتها في صرا عات وسخة. لكنه لم يفعل، وسيؤدي ثمن ذلك، وللأسف المقاومة ستؤدي الثمن هي الأخرى، لأن حزب الله حوّلها من مقاومة إلى مجرد مليشيا طائفية/سياسية انشغلت عن المقاومة بالفَتْوَنة المسلحة.
الطيب حمضي
23 ماي 2008

الأميرة والسرطان

منذ أيام، نستقبل بعياداتنا نساء جئن بدافع الكشف عن السرطان أو الخوف من الإصابة به. في البداية، لم أفهم سبب هذا الوعي المفاجئ، قبل أن أكتشف أن وسائل الإعلام، والتلفزيون بالخصوص، يبثون أخبارا وحصصا إعلانية عن حملة جمعية للاسلمى لمحاربة داء السرطان. برنامجي اليومي لا يسمح لي بمشاهدة القناتين الوطنيتين إلا نادرا، وهو ما فوت علي إمكانية متابعة الحملة كما تتابعها النساء المغربيات والرجال كذلك.
أكيد أن الغالبية العظمى من الاستشارات التي تأتي بعد مثل هذه الحملات تكون وراءها تخوفات غير مبنية، كأن تقول لك واحدة إن عندها إسهالا منذ أسبوع، وهي تشك في سرطان الثدي! لكن المهم أنها علمت بشيء اسمه سرطان الثدي وأن بالإمكان الكشف عنه مبكرا وعلاجه، والباقي يكون دور الأطباء لإجراء الفحوصات اللازمة أو إعطاء النصائح المناسبة. فترة بعد أخرى، ستنتشر الأفكار الصحيحة عن المرض وتنمحي الأفكار الخاطئة.
السرطان مرض وليس لعنة. هو مرض كباقي الأمراض، له أسبابه التي نعرف بعضها. هو الآخر له أعراضه، له مساره وله علاجه. المشكلة ببلادنا أن الناس تعرف السرطان، ولكن لا تعرف عنه إلا الجانب المظلم منه، وتتعامل معه كلعنة، وتعتقد أن الإصابة به تساوي الموت المحقق. والحقيقة غير ذلك.
السرطان مرض قاتل، إذا لم نكتشفه مبكرا، وإذا لم نعالجه. والمشكلة أنه كلما تأخرنا في اكتشاف المرض، كان العلاج صعبا، مرهقا ومكلفا، وكانت نتائجه محدودة. على العكس من ذلك، كلما كان الكشف مبكرا، كان العلاج سهلا وبسيطا، وكانت نتائجه رائعة.
لحسن الحظ أن عددا من أنواع السرطان يمكن الكشف عنها مبكرا، ومنها سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان البروستاتا والقولون والجلد مثلا. وسيكون من الخطأ القاتل أن يكون تحت تصرفنا هذا التطور العلمي وهذه الوسائل الطبية للكشف عن هذه الأمراض مبكرا، لكننا لانستفيد منها حتى نسقط ضحية المراحل المتطورة من المرض. هل يتطلب الأمر كثيرا من الأموال؟ أبدا، فبالنسبة لسرطان الثدي مثلا، وهو الذي يتطلب فحصا بالأشعة مرة كل سنتين عند المرأة بعد سن الخامسة والأربعين، فإن معدل ثمن الماموغرافيا (الفحص بالأشعة للثديين) يبلغ حوالي 800 درهم بالقطاع الخاص. هل كل النساء اللواتي لا يجرين هذا الفحص الدوري يمتنعن عن ذلك بسبب عدم توفرهن على ثمنه؟ الكثير من النساء اللواتي تصرفن ضعف المبلغ خلال ساعتين، أو لهن تغطية صحية، لا تقمن بالكشف المبكر عن سرطان الثدي أو عنق الرحم (هو تحليل أرخص). والسبب هو عدم الوعي بأهمية الكشف المبكر، لدى النساء والرجال على حد سواء. وهذه مسؤولية الأطباء كذلك، لأنهم تحت مبرر مراعاة الظروف لا يوجهون لمرضاهم نصائح حول الكشف المبكر.
كان من الممكن أن نمضي سنوات ونحن نتحدث في العيادات عن المرض وعبر الصحف وفي الندوات حول أهمية محاربة داء السرطان وأهمية الكشف المبكر عنه، دون أن نصل لتغيير العقليات. لكن ها هي الحملة الحالية تدخل كل البيوت وكل العقول لتغيير السلوكيات. هناك، من جهة، الاعتماد على أجهزة تدخل كل البيوت: التلفاز والإذاعات. ومن جهة ثانية، هناك وصلات واضحة. ثم، من جهة ثالثة، هناك مقاربة جريئة، إنها مقاربة متكاملة. إذ قبل انطلاق الحملات التحسيسية، تم تجهيز بعض المستشفيات وبناء مؤسسات لإيواء ومساعدة مرضى السرطان وبعدها كانت الحملة التحسيسية.
تذكروا شيئين: السرطان مرض يمكن محاربته. يكفي اتباع النصائح والفحوصات الضرورية. وتذكروا أن مبادرة الأميرة للاسلمى، عبر الجمعية، ستغير مسار السرطان وطرق التعامل معه بالنسبة للمغربيات والمغاربة، لأنها فتحت ورشا كان مستعصيا.

الطيب حمضي
16 mai 2008

الحداثة القۤبۤلية !

أفهم جيدا أننا في مرحلة انتقال على عدة مستويات: انتقال ديمقراطي، سياسي، مجتمعي، مؤسساتي. ولذلك، أجد العذر لعدد من مظاهر "الفوضى" التي تؤطر حياتنا اليومية التي تأوي كل المتناقضات. هناك حوالي أربعين حزبا سياسيا بالبلاد، الستة أو السبعة الأوائل متقاربة الحجم الانتخابي، والباقي بعيد عن الكوكبة. أكيد، ليس هناك أربعون برنامجا مجتمعيا يختلف بعضها عن الآخر، ولكن هذا التعدد يفسره عدم تجذر المؤسسة الحزبية كمؤسسة حديثة وحداثية وديمقراطية، فهي مؤسسة "عائلية" نوعا ما أو شبه زاوية. وعلى أية حال، فسواء كانت هناك عشرة أحزاب أو سبعون حزبا، فالناخب عموما في الديمقراطيات السليمة يحصر اختياره بين قوتين إلى ثلاث قوى سياسية كبيرة. وهكذا، نكون أمام وجود تضخم في الأعداد على مستوى القانون، بينما في الواقع، المشكل غير مطروح.
ما لا أفهمه هو أن يكون عندنا كل هذا الكم من النقابات! ففي نفس القطاع، نجد نقابة تدعو إلى الإضراب يوم الثلاثاء، وأخرى يوم الأربعاء وثالثة يوم الخميس، وهكذا… والموظفون طبعا يضربون مع كل النقابات، مادام الأجر مضمونا من جيوب الشعب والراحة مضمونة بفضل الإضراب!
لاحظوا أن هذه "الفوضى النقابية" لا توجد إلا بالقطاع العمومي، أما بالقطاع الخاص والقطاع الفلاحي، فداخل كل مؤسسة لا تجد إلا نقابة أو اثنتين، إذ العمال يعرفون أن لهم نفس المشاكل، وهذه المشاكل لها نفس الحلول، وهذه الحلول لا يمكن تحقيقها إلا بوسيلة واحدة: وحدتهم. هل رجال التعليم أو الصحة مثلا غير مدركين لهذه الحقيقة البدائية؟ المسألة ليست مسألة إدراك. الأمر يتعلق بممارسة خاطئة عاشت معنا ولازالت مستمرة. الأمر يتعلق بكوننا لازلنا لم ننجز الانتقال نحو العمل داخل المؤسسات، وليس تحت إمرة الأشخاص، الدفاع عن القيم وليس عن الذات، العمل في إطارات ديمقراطية مفتوحة وليس غيطوهات مغلقة. كل مجموعة تجانست إنسانيا تؤسس حزبا وتضع له أهدافا وقوانين، ثم تؤسس إطارا نقابيا، وتصدر جريدة ناطقة باسم الهيئة، تؤسس منظمة شبابية وتربوية موازية للحزب ومنظمة نسائية تابعة للحزب وأحيانا منظمة حقوقية كذلك!! الشباب، مثلا، إذا كانت له نفس المشاكل، فقد تختلف المقاربات لحلولها بين اليمين واليسار، لكن هل معنى ذلك أن يكون لكل حزب منظمته الخاصة، لا وزن لها ولا حضور لها وسط ملايين الشباب الخارج عن كل تأطير؟! هل النساء تواجه مشاكل تختلف حلولها بعدد الأحزاب القائمة؟! هل الموظفون والعمال والطلبة لهم مشاكل تختلف حلولها بعدد الأحزاب، حتى تؤسس هذه الأخيرة نقابات بعدد الأحزاب؟ في الميدان الحزبي، هناك تواريخ للامتحان. الانتخابات، وعندها يعز المرء أو يهان. ولكن في الميدان النقابي، هناك مشاكل يومية يستحيل مواجهتها بحكمة وفعالية مع كل هذه الفوضى الحاصلة في مجال العمل النقابي، وقس على ذلك في قضايا الشباب والنساء....
جرت العادة عندنا أن يدخل المرء حزبا سياسيا أو نقابة وكأنه دخل زاوية لها شيخها هو الزعيم ومريدوها وهم الأعضاء. إذا غادر العضو الجماعة، اتُهِم بالخيانة. وإذا حاسب الزعيم، اتُهم بالعمالة. الانتماء لحزب أو نقابة هو انتماء لفكرة يمكن أن تتغير في أي لحظة، وهذا ليس عيبا. العيب هو أن لا يتغير المسؤولون عن الأحزاب والنقابات وكأنهم فرضُ عيْن على هيآتهم. العيب هو أن يتعامل الفرد مع الحزب أو النقابة وكأنها مؤسسة لاهُوتية. العيب هو أن يدخل الإنسان حزبا أو نقابة للدفاع عن فكرة وعن مبدأ، فتضيع الفكرة ويضيع المبدأ في زحمة الدفاع عن الأشخاص وعن الذات.
الأحزاب والنقابات مؤسسات حداثية لتأطير المجتمع وتطويره، وليست قبائل. فلا يمكن الدفاع عن قيم الحداثة بوسائل وعقليات قبۤلية.

الطيب حمضي
9 mai 2008

الأزمة حقيقية

قد يكون زعيم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل محمد الأموي فقد الكثير من بريقه وقوته بعد ما عاشته نقابته والعمل النقابي عامة، وحزبه السابق والحالي، من أزمات وتصدعات، وما عرفته الحياة النقابية والسياسية بالبلاد من تحولات... لكن مع ذلك، حافظ على ذكائه "العروبي" وتفاعله وإحساسه بالتاريخ وبالناس بحكم عدم انسلاخه عنهم أصلا. لا أتحدث عن قراره بسحب ممثلي النقابة من مجلس المستشارين، بل عن قراره بخوض الإضراب العام. وبداية، أريد أن أوضح أنني، في هذه الزاوية، لا مع قرار الإضراب العام ولا ضده، لأن الموقف ليس موضوعي. من هذا الجانب، سأتناول قرار الإضراب العام كجزء من المشهد العام بالحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد.
يعيش المغاربة وذوو الدخل المحدود منهم على الخصوص أزمة عميقة، وتزداد ظروفهم سوءا مع مرور الوقت، دون أن تلوح لهم في الأفق بوادر تحسن ظروف معيشتهم ومعيشة أبنائهم. هما أزمتان؛ أزمة بالمطلق وأزمة نسبية. بالمطلق هي التي تعيشها الفئات الدنيا، بحيث تستحيل أمامها سبل العيش الدنيا يوما بعد يوم. وهناك فئات أخرى تعيش الأزمة بشكل نسبي. فحين صار بإمكانها الحلم بامتلاك السكن، جاءت المضاربات وأخذت منها أضعاف ما كان يجب أن تأخذه مصاريف السكن.وحين أضحت واعية بالسلامة الصحية، ولّد لديها هذا الوعي حاجيات طبية وصحية ومصاريف جديدة. بمعنى آخر، أضحت هذه الفئات ضحية لطموحها المشروع وسعيها الواعي نحو حياة أفضل. وهذه أزمة نسبية، وهي التي تعيشها الطبقة الوسطى أو ما بقي منها. وسواء كانت الأزمة مطلقة أو نسبية، فإن الإحساس بها يولّد حرمانا وغُبناً اجتماعيين.
إن ارتفاع أثمنة المواد الأولية الغذائية والطاقية على المستوى الدولي مازالت مرشحة للارتفاع لسنوات أخرى وليس أشهرا فحسب. وبحكم أن مصاريف التغذية والسكن تلتهم أكبر نسبة من ميزانيات جل العائلات ذات الدخل المحدود أو المتوسط، سهل علينا فهم أننا في بداية الأزمة وليس منتهاها. الأيام الصعبة في انتظارنا وليست وراءنا.
دورة الانتفاضات الشعبية بالمغرب هي عشر سنوات تقريبا. بمعنى أنه كان من المفروض أن نعيش هزة اجتماعية سنة 2000 مثلا. لكن مجيء ملك جديد وآمال جديدة أجلت الاحتقان. ومع تأثير الجفاف ومضاعفاته، كانت هناك مبادرة ملكية سنة 2003؛ "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي امتصت بعض الاحتقانات وفتحت أوراشا في النفوس والعقول أوّلاً. لكننا اليوم أمام مظاهر أزمة آخذة في الاستفحال.
ثلثا المغاربة الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليسوا غير مبالين، ولكنهم متشائمون من كون الانتخابات ستعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم وتحسين ظروفهم. وتلك من أخطر علامات الاحتقان.
عودة إلى الأموي. الإضراب العام الذي لوّح به الأموي هو إضراب عام يبتغي التحذير من خطورة الوضع على البلاد عامة، وليس فقط على العمال والموظفين. وهدفه هو ململة المسؤولين لاتخاذ إجراءات شجاعة وسريعة وفعالة لتدارك الوضع. مهما قدم الوزير الأول من اقتراحات، فلا يمكنه أن يقدم أشياء خارقة، ولن ترضى عنه النقابات، لأن البون شاسع بين الطموحات والواقع. والنقابات تعرف أن عيون الشعب عليها: هل ستدافع عن منخرطيها فقط أم عن عموم الشعب المحروم؟ الأموي التقط اللحظة واتخذ قرارا حرّك بركة آسنة من فوق، ولكنها تغلي من تحت. على الأقل، بإمكانه ونقابات أخرى معه أن يقودوا هذا الغضب الشعبي ويؤطروه ويوصلوا صوت الناس وآلامهم بشكل مؤسساتي وجماهيري منتظم، حتى وإن حدثت بعض التجاوزات هنا أو هناك. أما الاستمرار في التصرف وكأن الأمور عادية، فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام انفلاتات ليس من السهل التنبؤ بها أو التحكم في نتائجها.إن على الحكومة والباطرونا والنقابات والأحزاب والمؤسسات التفكير عميقا وسريعا في إجراءات مستعجلة من شأنها تخفيف الضغط على المواطنين، أجراء، موظفين، عاطلين... لا يمكن للباطرونا أن تنظر للموضوع من باب محاسباتي، مداخيل ومصاريف، أعباء وأرباح سنوية، بل في مثل هذه الظروف، عليها أن تجعل الاستقرار الاجتماعي فوق كل اعتبار، لأنه أهم شروط نجاحها أصلا وهي الرابحة مع توفره وخاسرة على طول ادا انعدم. والنقابات كذلك عليها ان تدرك أنها ليست أمام وضعية عادية بل ظروف خاصة تلزمها مبادرات حكيمة وشاملة. حلول وإجراءات لن تحل الأزمة ولن تجنبنا اضطرابات اجتماعية أكيد، ولكن من شأنها تقوية العمل المؤسساتي وإعطاء شحنة للتأطير الجماهيري المبدع والخلاق، عوض خلق الظروف لانفلاتات عشوائية، ما أسهلها وما أخطرها...

2 mai 2008
الطيب حمضي

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi