الانتقال الديمقراطي داخل الاتحاد الاشتراكي؟

أنهى حزب الاتحاد الاشتراكي الشوط الثاني من مؤتمره الثامن -بعد تعثر اشغاله بداية الصيف الماضي- نهاية الأسبوع بانتخاب الأستاذ عبد الواحد الراضي كاتبا أولا للحزب عن طريق الاقتراع الفردي المباشر من بين ست مرشحين، وبانتخاب أعضاء المكتب السياسي كذلك بالاقتراع السري وسط منافسة حادة وأحيانا عنيفة. منافسة قوية جعلت من الصعب التوافق المسبق على المرشحين ولا حتى "التوافق المسبق حول نتائج الاقتراع". ولأول مرة، يذهب الاتحاديون إلى مؤتمرهم وهم لا يعرفون من هو كاتبهم الأول ولا من هم أعضاء المكتب السياسي. بل ذهب زعماء و"كبار" الحزب إلى المؤتمر وهم لا يعرفون هل سيتم انتخابهم أم إقصاؤهم. وبهذا المعنى، فإن الإتحاد الاشتراكي رمى بنفسه لأول مرة في دهاليز ومغامرة صناديق الاقتراع، بعيدا عن التوافقات الفوقية من خلال لجن الترشيحات السيئة الذكر أو أنماط وطرق الاقتراع المضمونة النتائج.
حزب الاتحاد الاشتراكي عاش قويا خلال سنوات القمع، متماسكا، صلبا ومرتبطا بالناس وقضاياهم، لكنه لم يعرف كيف يتأقلم مع فترة الانفتاح والتدبير الجماعي وبعدها المشاركة الحكومية. هناك عدة أسباب لكبوات الاتحاد الاشتراكي خلال فترة الانفتاح. منها التعب الذي ظهر على قيادات الحزب واعتبار أن من حقها "الاستفادة" من الانفتاح بالأولوية. ومنها كذلك أن عناصر النجاح تختلف بين مناخ القمع ومناخ الانفتاح. واعتقاد بعض قيادات هدا الحزب أنه بمجرد تحمل المسؤولية الحكومية سيتمكن الحزب من تغيير وجه المغرب. وأنه كلما أعطيت الفرصة للمغاربة للتصويت بحرية واحترمت إرادتهم، فإن الجماهير الشعبية لا يمكن أن تصوت إلا على حزبهم الذي هو حامل قضاياها وهو الذي ضحى من أجلها طيلة 30 سنة. لكن مشاركة الحزب في الحكومة أظهرت عدة حقائق. أولها أن مشاركته في تدبير الشأن العام لم تأت بمعجزات، بل تماهت مع ما سبقها من تجارب، اللهم في بعض جوانب التدبير اليومي التي لا تحتاج لا إلى رؤى إيديولوجية ولا سياسية ولا حتى إلى رؤى أصلا. وأظهرت أن الإشكال بالمغرب هو إشكال مؤسساتي وليس قضية إرادات وعزائم. وأظهرت أن المناضلين من أجل الديمقراطية ليسوا بالضرورة ديمقراطيين أمام سلطة الامتيازات. وأظهرت كذلك أن المواطنين لا يحكمون على الخطابات والإنشاء، بل على ما يتحقق في الواقع. وأظهرت أن التعاقد حول الانتقال الديمقراطي لم يكن في الأصل تعاقدا.
اليوم، حزب الاتحاد الاشتراكي أكثر معرفة بالواقع المغربي، وأكثر معرفة بحقائق المؤسسات، وأكثر معرفة بحقه الحقيقي وقدراته. ولكن بنيته بقيت مغلقة ومتحكما فيها. اليوم، رمى بنفسه في مغامرة الاحتكام لصناديق الاقتراع، مع ما يتلوها أو ما يجب أن يتلوها من تدابير مصاحبة تتعلق بضبط العضوية والشفافية واللامركزية والتداول وتحديد الولايات.
إذا عرف هدا الحزب كيف يسير في طريق الديمقراطية الداخلية بشجاعة، بإمكانه ربح رهان إعادة إحياء الحزب بعد أن كان قريبا من السكتة القلبية. عرف المشاركة الحكومية ومحدوديتها ومحدودية نتائجها ومحدودية المنافع الشخصية التي تؤمنها، وسيعرف بلا شك في 2012 أو بعد ذلك تجربة الرجوع لصفوف المعارضة. لن يبقى مغريا للأعيان أو أصحاب المال الذين نزلوا على الاتحاد، اعتقادا منهم أن الاتحاد الاشتراكي هو حزب القصر وحزب الدولة للأربعين سنة المقبلة.
لن يعود هدا الحزب مُغريا إلا للذين يؤمنون فعلا بخطه السياسي. وبالتالي، فإن ظاهرة الأعيان الذين أتوا إليه لانتهاز الفرصة ظاهرة ستنتهي من تلقاء ذاتها. وهنا، لا أتحدث عن الأعيان الذين قد يكونون بنوا اختيارهم عن قناعة.
إذا كان الاتحاد الاشتراكي لم يفلح في تحقيق الانتقال الديمقراطي بالبلاد، فعلى الأقل عليه أن يستفيد من كون الانتقال الديمقراطي المتعثر قد ساعد ه هو نفسه على تحقيق "انتقال ديمقراطي" داخلي. عليه أن لا يخطئه هو الآخر بالموازاة مع تحد آخر هو الوضوح السياسي.
الطيب حمضي
14 نونبر 2008

لجنة وطنية ضد الانقلاب

الاتحاد الأوروبي أعطى مهلة شهر للانقلابيين بموريتانيا للرجوع عن انقلابهم واستئناف الحياة الدستورية والديمقراطية العادية أو سيلاقون العقوبات. كذلك موقف الاتحاد الافريقي.
أقولها منذ البداية بل هي البداية: استغربت وأستغرب كثيرا لعدم إظهارنا، كمغاربة سياسيين وحقوقيين وفاعلين وديمقراطيين، أي مظهر من مظاهر التضامن مع الشعب الموريتاني في محنته التي يعيشها على إثر الانقلاب العسكري الذي اغتصب السلطة في موريتانيا. ليس في المغرب فقط، بل كل دول الجوار بالمغرب العربي والعالم العربي. تركنا الموريتانيين وحدهم في مواجهة عودة منطق الانقلابات بعد أن سارت البلاد في طريق الديمقراطية.


ان موقفنا كشعب جار متضامن مع الشعب الموريتاني في محنته هو موقف مبدئي وكذلك موقف في صالح بلادنا. وهو ما سنفصله في هده الزاوية.


الضابط الذي يحكم موريتانيا حاليا، بجانب الطغمة العسكرية التي اغتصبت السلطة عنوة، أزاح رئيسا منتخبا من خلال انتخابات رئاسية لم يطعن في نزاهتها أحد، بل تم تنظيمها تحت مراقبة دولية وإعلامية شفافة. وعاشت موريتانيا انتخابات برلمانية نزيهة. لا يهمني اليوم تقييم تجربة الرئيس المطاح به في سدة الحكم، هل كان صالحا أم لا؟ لا يهمني ذلك، لأن تلك ليست مهمتي ولا مهمة العسكر بموريتانيا، بل هي مهمة من أعطوا أصواتهم للرئيس، ولهم وحدهم الحق في سحب الثقة منه أو إعطائه إياها ثانية من خلال انتخابات نزيهة كذلك.


ما عاشته موريتانيا ليس انقلابا عسكريا جاء بعسكر بعد الإطاحة بعسكر سابقين. موريتانيا عاشت الانقلابات، الواحد تلو الأخر، ثم سُلِمت السلطة للمدنيين في تجربة نادرة بالوطن العربي. وتم تنظيم انتخابات حرة. وحين ظهر لبعض العسكر الموريتاني أنهم أولى بالرئاسة، تمت الإطاحة بالشرعية. إذا سكت المجتمع الدولي عن هذه الواقعة أو تساهل معها، فلن تكون هناك أية ضمانات بالمطلق أن يقوم أي عسكري، بموريتانيا أو السنغال أو حتى فرنسا والسويد، بالإطاحة بالشرعية الديمقراطية، بدعوى أن الرئيس فاسد! بماذا تعد الطغمة العسكرية بموريتانيا؟ انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد! حتى وإن صدقناها، ما الفائدة من ذلك إذ كان هذا الرئيس الجديد سيكون تحت رحمة أي عسكري يستيقظ باكرا بنواكشوط ليصبح رئيسا للجمهورية؟ هذا عبث لا يمكن السكوت عنه أو التساهل معه. ادا نجح الانقلاب فموريتانيا على موعد مع عقود أخرى من الانقلابات وانعدام الاستقرار ومن ثم الفساد والتخلف. و ادا وقف المجتمع الدولي ضد الانقلاب وتم إفشاله فلن يكون من السهل أن "تزنزن" دبابة الانقلاب في ادن العسكر بعد اليوم. اد سيكون مصير انقلابهم الفشل حتى وان اعتلوا سدة الحكم بالقوة. هدا هو التحدي الكبير.


قبل أشهر، كتبتُ في هذه الزاوية ما معناه أن علينا كمغرب تعميق العلاقات مع موريتانيا حتى لا نجد أنفسنا يوما بين فكي كماشة. والمؤسف أنه بعد الانقلاب وجد المغرب نفسه بين كماشة موريتانية صرفة هذه المرة! إذا ساند الانقلاب ولم ينجح في الأخير، فتلك مشكلة. وإذا عارض الانقلاب ونجح تلك مشكلة كذلك. المغرب الرسمي في وضعية حرجة لا يحسد عليها. فالموقف الرسمي ليس دائما موقفا مبدئيا، بل يأخذ بعين الاعتبار المصالح، مصلحة الدولة. وعلاقتنا بجارتنا الجنوبية لها أهمية كبيرة، خصوصا مع قضية الصحراء.


لكن الموقف الشعبي (أحزاب سياسية، نقابات، جمعيات، فاعلون، مناضلون) موقف هؤلاء كان يجب أن يكون موقفا مبدئيا، لا غبار عليه، ليس فقط دفاعا عن الديمقراطية وعن الشرعية، بل كذلك لأن مثل هذا الموقف في صالح المغرب. إن إخفاق الانقلابيين وعودة المشروعية (وهذا احتمال وارد جدا ولو بصيغ وسطية) لن يكون كارثة على الموقف الرسمي، بل سيحفظ الشعب الموريتاني الود اتجاه الشعب المغربي الذي سانده خلال محنته. لنقلها صراحة، حتى وإن فكرنا بمنطق المصالح، فإن علينا كديمقراطيين الوقوف ضد الانقلاب، فالأحرى أن هذا الموقف هو الموقف المبدئي. هل يجب أن نفعل ذلك فقط بمنطق سياسوي؟ أبدا. أنا لا أفهم كيف لا تقوم الوقفات الاحتجاجية وتشتعل الشموع أمام البرلمان وغيرها من أشكال الاحتجاج، دفاعا عن شعب كامل أصبح رهينة في يد العسكر؟ كيف يقبل الديمقراطيون والحقوقيون والمناضلون بهذه البلاد أن تغتصب إرادة شعب جار لنا ونحن صامتون؟ هل الموريتانيون لا يستحقون الديمقراطية مثلا؟ هل من الضروري مثلا أن يكون الشعب الفرنسي أو الإسباني أو الأمريكي هو المتضامن مع الشعب الموريتاني؟ من لا خير له في جاره فلا خير يرجى منه لشعبه. ولاخير فينا ان لم نحس بما يحس به جيراننا. ومن العار أن نترك نساء وشباب موريتانيا وحدهم بصدور عارية أمام مدافع وأسلحة عسكر مغتصب للسلطة. الانقلاب لن يمر. والشعب الموريتاني يدرك يوما بعد يوم أن لا أمل له في الديمقراطية إن نجح هذا الانقلاب. ونحن مطالبون بدعم القوى المناهضة للانقلاب، من خلال لجنة مغربية للتضامن مع الشعب الموريتاني، ومن خلال استضافة المناهضين للانقلاب ودعمهم سياسيا وإعلاميا ودوليا.


هذه مهمتنا لصالح موريتانيا وشعب موريتانيا ولصالح بلدنا.

الطيب حمضي

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi